للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خِدْمتك وطاعتك، ولا نريد منك شيئًا، بل نجعل لك علينا كلَّ سنةٍ قطيعة خمسين ألف رأس من الخيل والبخاتي، ومثلها من الغنم، ومئة ألف دينار. فأشار عليه أعيانُ أهل مملكته بالصُّلْح، وأشار عليه قماج أن لا يصالح، فمال إلى قوله، وردَّ الشُّيوخ خائبين، فعادوا إلى أصحابهم، وقالوا: استعدُّوا، فلا بُدَّ له من قَصدكم. فجاؤوا إلى صحراء واسعة كالحَلْقة الدَّائرة، والجبالُ محدِقةٌ بها، وليس لها طريقٌ إلّا من مضيقٍ واحد، فضربوا خَرْكاواتهم (١) فيها، وجعلوا الأموال والمواشي حولها كالسُّور، وجعلوا بين الخَرْكاوات خِلالًا مثل الأبواب، وجاءهم سنجر بعساكره، فدخل من ذلك المضيق، ونَشِبَ القتال، فكانت سهامُ عَسْكر سنجر تقع في الخَرْكاوات والجمال والخيل، وسهام الغُزّ لا تقع إلا في فارس، وكان سنجر قد وقف عند المضيق في جماعةٍ من أصحابه، ولم يدخل ينتظر الدَّبرة (٢)، وصَدَقَ الغُزّ الحَمْلة، فطرحُوا المُسْلمين مثل الغَنَم، وقُتِلَ قماج ومعظم عسكر سنجر، وهرب مَنْ بقي إلى ناحية المضيق، فلحقهم الغُزُّ، فأفنوهم من قبل وصولهم إلى المضيق، وخرج الغُزُّ من المضيق وسنجر واقف في بقايا عسكره، فتقدَّم إليه كبراؤهم، وترجَّلوا، وقبَّلوا الأرض، وقالوا: سأَلْناكَ الصُّلْح فأَبَيتَ وأنتَ سُلْطاننا كلّنا، وقد قُتِلَ بعضُ عبيدِك وبقي البعض؛ يشيرون إلى نفوسهم. ثُمَّ أفردوه عن أصحابه وكأنَّهم في خِدْمته، وهو مثل الأسير يجلسونه على السَّرير لا غير، وتفرَّق عنه عسكره، وجاؤوا به إلى خُراسان، فنزلوا بَلْخ، ثم انبثُّوا في خراسان يَقْتُلون ويأسِرون وَيسْبُون، وهو معهم لا يملك لنفسه ضَرًّا ولا نَفْعًا، وعملوا له بعد ذلك قفصًا من حديد وجعلوه فيه، وكانوا إذا أتوه بطعامٍ يدَّخر منه لوقتٍ ينسونه فيه، وكان يخدم نفسه وليس معه أحد، واقتصَّ الله منه للمسترشد والرَّاشد.

وفيها: بعث الخليفة ترشك المقتفَوي وأبا البَدْر ظفر بن الوزير يحيى بن هُبيرة، ونجاح الخادم إلى قلعة تكريت، وبها مسعود البِلالي من جهة السُّلْطان مسعود، فجرى


(١) الخركاة: كلمة فارسية تعني الخيمة الكبيرة. "معجم الألفاظ الفارسية المعربة": ٥٣ - ٥٤.
(٢) الدبرة: الهزيمة في القتال، "معجم متن اللغة": ٢/ ٣٧٢.