للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدِّين إلى الرَّئيس يستدعيه إلى القلعة ليصلح بينه وبين أخيه، فامتنع، وتحصَّنَ في داره، وجَمَعَ العوام، فأرسل إليه مجيرُ الدِّين: اخرُجْ من البلد. فاستعانَ بأخيه وأَهْله، فلم يُجِبْه أحد، فخرج إلى صَرْخد في جُمادى الأُولى وفيها مجاهد الدين بُزان الكُرْدي، فتلقَّاه وأكرمه وأنزله، ولم يتعرَّض مجيرُ الدِّين إلى مالِ الرئيس ولا لداره ولا لبُسْتانه بالنَّيْرب، وقلَّد أخاه زين الدَّولة مكانه، وخَلَعَ عليه، وأمر ونهى، ولم تكن سِيرتُه مرضيةً فيما يتعلَّق بالرُّشْوة مع العَجْزِ والتَّقصير، ثم إنَّ مجير الدِّين عَزَلَه بعد ذلك وقَتَله. ورأى مجيرُ الدين أَنْ يتوجَّه إلى عطاء الخادم ببَعْلَبَكَّ يستعين به على تَدْبير المملكة، فتوجَّه إليها، وعاد وعطاء معه، واستشعر مجاهد الدين بُزان، وأقام بصَرْخد، ولم يَعُدْ إلى دمشق بغير يمين، وأرسل [إلى] (١) مجير الدِّين يَطْلُب ذلك، فوعده، وبقي الأمر موقوفًا.

وفيها ملكتِ الفرنج عَسْقلان، لأنهم ضايقوها، وقُتِلَ من الفريقين خَلْقٌ كثير وعَجَزَ مَنْ فيها، فطلبوا الأمان، فأَمَّنوهم، وكان بها من الذَّخائر والعُدَد والغِلال ما لا يُحصى، [وبلغني أن سبب تسليم عسقلان إلى الفرنج] (٢) أنَّ أهلها كانوا في ضائقة يرتقبون كلَّ يوم الأصطول والنجدة من مِصر، فبينا هم في آخر نَفَس وإذا بمركبٍ صغير قد أقبل من مِصر، فاستبشروا، وإذا فيه رجلٌ ومعه كتاب من مِصر إلى الوالي يقول: ساعة وقوفك على هذا الكتاب تنفِّذ لنا من مقصبة عَسْقلان باقة قصب غلاظًا نجعلها شَبَّابات. فقال للرَّسول: نعم إلى غداة غدٍ. ثم خَرَجَ في الليل إلى الفرنج، وأخذ أمانًا لأهل البلد، فلما طلع الفجر فَتَحَ الأبواب، ودخَلَ الفرنجُ البلد، فأحضر القاصِدَ بالكتاب، وقال: هذا هو الجواب.

[وقيل: إن صاحب مصر نَقَلَ رأس الحسين من عسقلان إلى مِصر، وقد ذكرناه في ترجمته] (٣).


(١) ما بين حاصرتين زيادة من عندنا يقتضيها السياق.
(٢) في (ع) و (ح) وقيل: إن أهلها كانوا في ضائقة .. والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).