للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقامت في المدائن، وجاءت أكلاك (١) من المَوصِل فيها ميرة وزادٌ، فأخذها أصحابُ الخليفة.

وفي سادس عشرة صفر وصل ركابيٌّ من هَمَذَان يخبر بدخول ملك شاه إليها، وأَنَّه نهبها، وكَبَسَ دور المخالفين الذين مع محمد شاه.

ولما كان عشية الجمعة سَلْخ صفر عَبَرَ في السفن جماعةٌ منهم إلى دار السُّلْطان، فخرج إليهم منكورس الشِّحنة، فَقَتَلَ منهم جماعةً، ورمى الباقون نفوسهم في الماء، وفرَّق الخليفة في الأتراك في يومٍ واحد خمسة وعشرين ألف نُشَّابة، ومئتين وستين كُرّ حنطة، ولم يأخذ من أحدٍ من أهل بغداد دِرهمًا، ولا استقرض شيئًا.

ولما كان يوم الخميس العشرين من ربيع الأول جاؤوا بأربع مئة سُلَّم، واجتهدوا أن يلصقوها إلى السور فلم يقدروا، وأحرقها عوامُّ بغداد، وبَطَلَت الصَّلوات يوم الجمعة في الجانب الغَرْبي والرُّصافة، وكان يصلِّي في جامع القصر نفرٌ يسير، واحتوى محمد شاه على جانبي بغداد، ولم يبق إلا حريم دار الخليفة.

ووصلت امرأةُ سليمان شاه بنت خوارزم شاه، وكانت قد أَصلَحَت بين ملك شاه وبين الأُمراء بهَمَذَان، وخرجت متنكِّرة في زِيّ الصُّوفية للحاج عليها مُرقعة، وفي رِجلها طرسوس (٢)، كأنها من جُملة الشَّحَّاذين، فجاءت إلى عسكر محمد، وتوصلت إلى الرَّقَّة مقابل التاج، وقالت لبعض الملاحين: صِحْ لي بقائدٍ من قواد أمير المؤمنين يعرِّف الوزير أَنَّ لي إليه حاجة. فبعث الوزير إليها حاجبًا، فعرَّفَته نفسها، فَعَبَرَ بها، فدخلت على الوزير، فقام لها قائمًا، وأكرمها وعَرَّف الخليفة، فأفرد لها دارًا قريبة منه، وحمَلَ إليها ما يصلح، وكان معها ركابي، فأخرج الكتب من ملك شاه بأَنَّه دخل هَمَذَان، ونقَضَ الكشك الذي لمحمد شاه، ونقض دور المخالفين ونهبهم.


(١) أكلاك جمع، مفردها الكَلَك: الطوف، وهو قرب ينفخ فيها، ويشد بعضها إلى بعض كهيئة سطح فوق الماء، تحمل عليه الميرة والناس، وربما كان من خشب يشد ويركب عليه، أو يسوَّى من قصب وعيدان يشد بعضها فوق بعض، ثم يقمط حتى يؤمن انحلالها. "معجم متن اللغة": ٣/ ٦٤٩، ٥/ ٩٥.
(٢) كذا في الأصل، وكأنها نوع من الأحذية كان يلبسها الشحاذون، ولم أقف عليها.