للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في ذكر ملوك الفرس الثانية]

وأولُ ملوكهم ساسان الأصغر، وكان بالجبال لا يُؤبه إليه، فجمع جموعاً كثيرة، ومَلَك البلاد وأباد ملوك الطوائف، ولم يبقَ منهم غير الأردوان فهرب منه، واستولى ساسانُ على الممالك، وإليه تنتهي أنساب الفرس الثانية. وهو الذي كوَّر الكُوَر، ورتَّب الصنائع والحِرَف والنواميس، وأقام مدةً لم تضبط، ثم مات.

فمَلَك بعده أرْدشير بن بابَك بن بَهْمن بن اِسْفَنديار بن بُشْتاسِف، فسمَّى نفسَه شاهِنْشاه الأعظم، وبنى المدائن، واستولى على الممالك، وإنما خرج طالباً بثأر ابنِ عمِّه دارا بن دارا بن بَهْمن الذي قتله الإسكندر.

وكان مولده بقرية من قرى اِصطَخْر، وكان أبوه بابَك شجاعاً يلتقي وحدَه مئةَ رجل (١)، وقتل أردشير الأردوان (٢) ووَطئ رأسه بقدميه، وفي ذلك اليوم تسمَّى بشاهنشاه الأعظم، وكان منصوراً لا تُردّ له رايةٌ. وملك خمس عشرة سنةً، واختلفوا في نسبه، ولا خلاف أنه من ولد مِنُوجِهْر.

وهو أول مَن خَطَب من الفُرس الثانية، فقال لمّا قتل الأرْدَوان (٣): الحمدُ لله الذي خَصَّنا بنعمه، ووفَّر لنا من عطاياه، وشملنا بفوائده، ومهَّد لنا البلاد، [وقاد إلى طاعتنا] العباد، ألا وإنّا شارعون (٤) في إقامة منار العدل، وإدرار الفَضْل، وتشييد المآثر، والإقبال على الرأفة والرحمة، وإنصاف الضعيف من القوي، ومن الشريف للدَّنِيّ، فإن العدل سُنَّة محمودة، وشريعةٌ مسلوكة، وسترون في أيامنا ما تَحمَدونا عليه، وتشكُرونا على فِعْله، وسوف تُصَدق أفعالُنا أقوالَنا. . . في كلام طويل.

وبأرْدشير اقتدى الخلفاءُ والملوك في ترتيب الممالك، فإنه رَتَب الناس على ثلاث طبقات؛ فالأولى: الحكماء والعلماء وكان مجلسُهم عن يمينه، والثانية: الملوك وأبناؤهم


(١) في تاريخ الطبري ٢/ ٣٧، والمنتظم ٢/ ٧٩ أن جده ساسان هو الذي يلتقي وحده ثمانين رجلاً.
(٢) في النسخ: وقتل ملك أردشير الأردوان.
(٣) في النسخ: لما قتل ملك الأردوان، وانظر تاريخ اليعقوبي ١/ ١٥٩، والطبري ٢/ ٤٠، ومروج الذهب ٢/ ١٥٢، وتجارب الأمم ١/ ٥٤.
(٤) فى مروج الذهب ٢/ ١٥٢ وما بين معكوفين منه: ساعون.