للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّنة الثامنة والخمسون وخمس مئة

فيها بُني كشك الخليفة والوزير على باب المُظَفَّرية ظاهر بغداد، وأنفق على ذلك مالًا عظيمًا، وسُمِّي المكان الحُطَمِيَّة، وكان الخليفة والوزير يخرجان فيقيمان فيه، ويصلِّيان الجُمعة في جامع الرُّصافة مدَّة إقامتهما فيه، ويخرج أهل بغداد أيام الجُمَع، ويقفون صفوفًا يتفرَّجون، ويعبر الخليفة بينهم، وكان له حاجبٌ يقال له أحمد النوبي، وكان المستنجد سمينًا، فاجتاز بامرأتين، فقالت إحداهما للأُخرى: ما ترين ما أسمن الخليفة؟ فقالت لها: إنَّك باردة، مَنْ يكون بين يدي النوبي ما يسمن!

وفيها كانت وقعة عظيمة بين أتابك إيلدكز والخَزَر، خرجوا من باب الأبواب، وأغاروا على البلاد، ونهبوا وسَبَوْا وأسروا وقتلوا، وأيقن المسلمون بالهلاك، فجمع إيلدكز عساكره والمُطَّوِّعة وأهلَ البلاد، فقيل له: لا طاقةَ لك بهم، هؤلاء في ثلاث مئة ألف، وأنتَ ما يبلغ جمعك ثلاثين ألفًا! فقال: ألقاهم بالله وببركات الصَّالحين، فالتقوا على أَذْرَبيجان، واقتتلوا قتالًا لم يعهد مثله إلا قتال الغُزّ وسنجر، وظهروا على المُسْلمين أول النَّهار، فترجَّل إيلدكز والعساكر، وهبَّت ريحٌ عاصف، فَسَفَتْ في وجوه الخَزَر التُّراب، فهزمهم الله تعالى، وسار إيلدكز في آثارهم قَتْلًا وأَسْرًا، وأُسر ملوكهم، وقُتِلَ أبطالهم، وأُخذ منهم صليب الصَّلبوت، وكان مرصعًا بالجواهر واليواقيت ما قيمته مئة ألف دينار، وبعث بالملوك والأعيان والرؤوس إلى بغداد والصَّليب، وخرج الموكب بأَسْره، ولم يتخلَّف سوى الوزير، وجَلَسَ الخليفة في الكشك، وعبروا بهم عليه، فَسُرَّ سرورًا كثيرًا، وخلع على الرُّسُل، وأعطاهم الأموال، وبعث إلى إيلدكز بخِلَعٍ تقارب خِلَع السَّلْطنة، ومراكب الذهب والكوسات والأعلام ومال كثير.

وفيها قَبَضَ قُطْبُ الدِّين مودود صاحب المَوْصِل على جمال الدِّين الوزير الأَصفهاني، وحَبَسَه في قلعة المَوْصِل، واستصفى أمواله.