للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اجتمع عليه الناس، وقعدوا له صفَّين، فلما مرَّ بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلوا يرمونه بالحجارة، فما يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، حتى أدموا رجليه، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض، فيأخذون بعضديه فيقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، فخلص منهم ورجلاه تسيلان دمًا! !

أخي في الله: أرأيت كيف كان بذله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه فدىً لدين ربه تعالى؟ !

فكم تحمَّل - صلى الله عليه وسلم - من المشقة وهو يؤدي رسالة رب العالمين، حتى يكون أسوة لأمته في الصبر .. وصدق العزيمة ..

وما كان تعالى ليعجزه نصرة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولكنها سنة الله تعالى التي قد خلت في عباده؛ إن العسر يعقبه اليسر والفرج .. فلا يغيبن عنك أخي مثل هذا الدرس! فإنك إن لم تعقله، فما إخالك ستستفيد من تلك الصور الصادقة من حياة السابقين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم على الهدى والحق.

ولتعلم أخي إن الصبر على البلاء من شيمة الصالحين وأولياء الله المتقين .. وفي هذا يطل علينا ذلك الجيل الفريد الذي رباه النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا - رضي الله عنهم - على الطريق مضاء .. وعزمًا .. وصدقًا .. وكان صبرهم - رضي الله عنهم - على الدين الحق مضرب الأمثال .. ومحط الآمال .. فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر على تلك الأسرة الطاهرة، التي جمعتها وشيجة الإيمان بعد وشيجة الرحم مرَّ عليهم وهم يعذبون في الله تعالى، على أيدي زبانية مكة من كفار قريش، ولا يزيدهم ذلك إلا ثباتًا .. وتسليمًا .. فما كان - صلى الله عليه وسلم - يومها يملك لهم إلا تلك الكلمات المسلية عن نار البلاء: «صبرًا يا أبا ياسر وآل ياسر فإن موعدكم الجنة».

<<  <   >  >>