للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: حديث جابر بن سمرة- رضي الله عنه- في قصَّة شكاية أهل الكوفة سعد بن أبي وقَّاص إلى عمر، وقيام ذلك الرَّجل في المسجد واتِّهامه لسعد بتهم عدَّة قال:

(قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهمَّ إن كان عبدُك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضْه بالفتن.

وكان بعدُ إذا سُئل يقول: شيخٌ كبيرٌ مفتونٌ أصابتني دعوةُ سعد.

قال عبد الملك: فأنا رأيتُه بعد قد سَقَطَ حاجباه على عينيه من الكبَر، وإنَّه ليتعرَّض للجواري في الطُّرُق يغمزهنَّ) (١).

فَظَنَّ بعضُ النَّاس أنَّ سعداً دعا عليه بالمعصية والإثم؛ ولكنَّ الصَّواب أنَّه دعا عليه بتعرُّضه للفتن والبلايا والمحن في الدِّين والدُّنيا؛ كما قال: (وعَرِّضْه للفتن). والفتنةُ لا تعني المعصية؛ ولكنَّها تعني الشِّدَّة التي قد توقع في المعصية إن لم يَصبر عليها؛ وهذا ما حَصَلَ.

يقول الحافظ ابن حجر: (وفيه جوازُ الدُّعاء على الظالم المعيَّن بما يَستلزم النَّقصَ في دينه، وليس هو مَن طلب وقوع المعصية؛ ولكن من حيث إنَّه يؤدِّي إلى نكاية الظَّالم وعقوبته). انتهى (٢).

ثالثا: خيرٌ من ذلك كلِّه: العفوُ وتركُ أمر الظَّالم له- سبحانه وتعالى- يوم القيامة؛ وذلك أنَّ مَن عفا عن حقِّه في الدُّنيا أخذه وافراً في الآخرة وأراح قلبَه من شوائب الحقد والغيظ.


(١) رواه البخاري ٧٥٥.
(٢) فتح الباري ٢/ ٢٤١.

<<  <   >  >>