للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولك أن تعجب أخي أيضًا عندما أقف بك عند زهد أبي السبطين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. فقد خرج ذات مرت إلى السوق بسيفه وقال: «من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشترى بها إزارًا ما بعته! » وهو يومها أخي أمير المؤمنين! ورآه بعضهم ذات مرة وقد ركب حمارًا ودلَّى رجليه إلى موضع واحد! ثم قال: «أنا الذي أهنت الدنيا».

ثم أخي وهذا رجل دخل على أبي ذر - رضي الله عنه - فجعل يقلب بصره في بيته فقال: يا أبا ذر ما أرى في بيتك متاعًا ولا غير ذلك من الأثاث! فقال أبو ذر: إن لنا بيتًا نوجه إليه صالح متاعنا! فقال الرجل: إنه لابد لك من متاع ما دمت ها هنا فقال أبو ذر - رضي الله عنه -: «إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه! ! ».

أخي في الله: إنها كلمات أقوام ليس للدنيا إلى قلوبهم سبيل .. فما أبهاها وما أنضرها إذ تخرج من تلك الأفواه الطاهرة ..

وأعجب معي أخي من أمير المدائن وسيدها الذي كان يعيش من صناعة القفاف! ! إنه سلمان الفارسي - رضي الله عنه -. كان يشتري الخوص بدرهم فيبيعه بثلاث دراهم، فيعيد درهمًا فيها، وينفق درهمًا على عياله ويتصدق بدرهم! مع أن عطاءه - رضي الله عنه - بلغ خمسة آلاف درهمًا. وكان يخطب الناس في عباءة. وكان يفرش نصفها ويلبس نصفها! فكان إذا خرج عطاؤه أمضاه وأكل من سفيف يده - رضي الله عنه -.

إني رأيت عواقبَ الدنيا ... فتركتُ ما أهوى لما أخشى

فكَّرتُ في الدنيا وجدَّتها ... فإذا جميعُ جديدها يَبْلَى

<<  <   >  >>