للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما أعد الله له من عذابه، فترغبوا وترهبوا، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلبكم. وتنقادوا لعدوكم، فإن الله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يمسي بعد إصباحه، ولا يصبح بعد إمسائه، وربما كانت له كامنة بين ذلك خطرات الموت والمنايا، وإنما يطمئن من وثق بالنجاة من عذاب الله وأهوال يوم القيامة، فأما من لا يداوي من الدنيا كلما إلا أصابه جارح من ناحية أخرى، فكيف يطمئن؟ أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي، فتخسر صفقتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق (١).

يا لاهيًا بالمنايا قد غره الأمل ... وأنت عما قليل سوف ترتحل

تبغي اللحوق بلا زاد تقدمه ... إن المخفين لما شمروا وصلوا

لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها ... فأنت من عاجل الدنيا ستنتقل

أصبحت ترجو غدًا يأتي وبعد غد ... ورب ذي أمل قد خانه الأمل

هذا شبابك قد ولت بشاشته ... ما بعد شيبك لا لهو ولا جدل

ماذا التعلل بالدنيا وقد نشرت ... لأهلها صحة في طيها علل (٢)

قال محمد بن أبي عمران: سمعت حاتمًا الأصم وسأله رجل: على ما بنيت أمرك هذا في التوكل على الله؟ قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة، فأنا


(١) البداية والنهاية: ٩/ ٢٨٣.
(٢) التبصرة: ١/ ٤٩.

<<  <   >  >>