للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أخي الحبيب]

اعلم أن أيام الدنيا كأحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا، وإن سرت يومًا أو أيامًا ساءت أشهرًا وأعوامًا، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً، وما حصلت للعبد فيها سرورًا إلا خبأت له أضعاف ذلك شرورًا.

قالت: هند بنت النعمان: لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكًا، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أذل الناس، وأنه حق على الله - عز وجل - أن لا يملأ دارًا حبرة إلا ملأت عبرة.

وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها، فقالت: أصبحنا ذات صباح وما في العرب أحد إلا يرجونا، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا.

وبكت أختها حرقة بنت النعمان يومًا وهي في عزها، فقيل لها: ما يبكيك؟ فذكر أنها قالت: رأيت كثرة أهلي وسرورهم، وقلما امتلأت دار سرورًا إلا امتلأت حزنًا، قال إسحاق بن طلحة: دخلت عليها يومًا، فقلت لها: كيف رأيت عبرات الملوك؟ فقالت: ما نحن فيه اليوم خير مما كنا فيه بالأمس، إنا نجد في الكتب أنه ليس من أهل بيت يعيشون في حبرة إلا سيعقبون بعدها عبرة، وأن الدهر لم يظهر بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوم يكرهونه (١).


(١) عدة الصابرين: ٣٢٦.

<<  <   >  >>