للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قادر، وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له، ولا تعدوا هذه الدنيا شيئًا فإنها لا تبقي على أحد، ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها.

والمرء ما عاش في الدنيا له أمل ... إذا انقضى سفر منها أتى سفر

لها حلاوة عيش غير دائمة ... وفي العواقب منها المر والصبر (١)

قال عبيد بن عمير يحذرنا من كثرة الدنيا وحسرة إقبالها: ما كثر مال عبد إلا اشتد حسابه، ولا أكثر أتباعه إلا كثر شياطينه، ولا زاد من السلطان قربًا إلا زاد من الله بعدًا.

ومن هذا الخوف كان مسروق يقول: إنما تحفة المؤمن حفرته.

[أخي الحبيب]

جعل الله الدنيا عرضًا عاجلاً ومتاع غرور، وجعل الآخرة دار جزاء وثواب، وحف الدنيا بالشهوات وزينها بها، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ

وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}

[آل عمران: ١٤].

فأخبر سبحانه أن هذا الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها، وما هو غاية أماني طلابها ومؤثريها على الآخرة، هو


(١) التبصرة: ١/ ١٠٩.

<<  <   >  >>