للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْخُذُنِي فَيَجْدَعَ أَنْفِي وَأُذُنِي، فَإِذَا لَقِيتُكَ غَدًا قُلْتَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَ جُدِعَ أنْفُكَ وَأُذُنُكَ؟ فَأَقُولَ: فِيكَ وَفِي رَسُولكَ، فَيَقُولَ: صَدَقْتَ.

قَالَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي اللَّه عنه-: يَا بَنِيَّ كَانَتْ دَعْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ خَيْرًا مِنْ دَعْوَتِي، لَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ، وَإِنَّ أُذُنَهُ وَأَنْفَهُ لَمُعَلَّقَاتٍ في خَيْطٍ (١).

هَذِهِ صُورَةٌ لِلرُّجُولَةِ الفَارِعَةِ (٢) التِي اصْطَدَمَ بِهَا الكُفْرُ أَوَّلَ المَعْرَكَةِ وَآخِرَهَا، فَمَادَ (٣) أَمَامَهَا، وَاضْطَرَبَتْ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِ الأَرْضُ، فَمَا رَبِحَ شَيْئًا في بِدَايَةِ القِتَالِ، وَلَا انتفَعَ بِمَا رَبِحَ آخِرَهُ. . . مَنْ سِرُّ هَذَا الإِلْهَامِ؟ مَنْ مُشْرِقُ هَذَا الضِّيَاءَ؟ مَنْ مُبْعِثُ هَذَا الِاقْتِدَارِ؟ إِنَّهُ مُحَمَّد رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-! إِنَّهُ هُوَ الذِي رَبَّى ذَلِكُمُ الجِيلَ الفَذَّ، وَمِنْ قَلْبِهِ الكَبِيرِ أُتْرِعَتْ (٤) هَذِهِ القُلُوبُ تَفَانِيًا في اللَّهِ، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَهُ (٥).

* مَقْتَلُ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ -رضي اللَّه عنه-:

وَسَعْدُ بنُ الرَّبِيعِ -رضي اللَّه عنه- هُوَ الذِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ -رضي اللَّه عنه- مِنْ أَغْنِيَاءَ الأَنْصَارِ، وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ في


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك صححه - كتاب الجهاد - باب من سأل اللَّه القتل من عند نفسه - رقم الحديث (٢٤٥٦) - وأورده الحافظ في الفتح (٦/ ٣٧٨) وصحح إسناده.
(٢) الفارعَةُ: العالية. انظر لسان العرب (١٠/ ٢٣٨).
(٣) مادَ: زاغَ. انظر لسان العرب (١٣/ ٢٢٩).
(٤) ترع: امتلأَ. انظر لسان العرب (٢/ ٢٩).
(٥) انظر فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>