للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - وَمِنْهَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَوْ نَصَرَهُمْ دَائِمًا، وَأَظْفَرَهُمْ بِعَدُوِّهِمْ في كُلِّ مَوْطِنٍ، وَجَعَلَ لَهُمُ التَّمْكِينَ وَالقَهْرَ لِأَعْدَائِهِمْ أَبَدًا؛ لَطَغَتْ نُفُوسُهُمْ، وَشَمَخَتْ (١) وَارْتَفَعَتْ، فَلَوْ بَسَطَ لَهُمْ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ، لَكَانُوا في الحَالِ التِي يَكُونُونَ فِيهَا لَوْ بَسَطَ لَهُمُ الرِّزْقَ، فَلَا يُصْلحُ عِبَادَهُ إِلَّا السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ، وَالشِّدَّةُ وَالرَّخَاءُ، وَالقَبْضُ وَالبَسْطُ، فَهُوَ المُدَبِّرُ لِأَمْرِ عِبَادِهِ كَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ، إِنَّهُ بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ.

٦ - وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا امْتَحَنَهُمْ بِالغَلَبَةِ، وَالكَسْرَةِ، وَالهَزِيمَةِ، ذَلُّوا وَانْكَسَرُوا، وَخَضَعُوا، فَاسْتَوْجَبُوا مِنْهُ العِزَّ وَالنَّصْرَ، فَإِنَّ خِلْعَةَ النَّصْرِ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ وِلَايَةِ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (٢)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} (٣). فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعِزَّ عَبْدَهُ، وَيَجْبُرَهُ، وَيَنْصُرَهُ، كَسَرَهُ أَوَّلًا، وَيَكُونُ جَبْرُهُ لَهُ، ونَصْرُهُ عَلَى مِقْدَارِ ذُلِّهِ وَانْكِسَارِهِ.

٧ - وَمِنْهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَيَّأَ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَنَازِلَ في دَارِ كَرَامَتِهِ، لَمْ تَبْلُغْهَا أَعْمَالُهُمْ، وَلَمْ يَكُوُنوا بَالِغِيهَا إِلَّا بِالبَلَاءِ وَالمِحْنَةِ، فَيُقَيِّضُ (٤) لَهُمُ


(١) الشَّامخُ: العالي، وشمَخَ بأنفِهِ: أي ارتفع وتكبّر. انظر النهاية (٢/ ٤٤٧).
(٢) سورة آل عمران آية (١٢٣).
(٣) سورة التوبة آية (٢٥).
(٤) قيَّضَ: أي سبَّب وقَدَّر. انظر النهاية (٤/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>