للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قتَلَهُمَا عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ -رضي اللَّه عنه-؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ قَدْ أَخَذَ العَهْدَ عَلَى اليَهُودِ أَنْ يُعَاوِنُوهُ في الدِّيَاتِ -كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ كِتَابَةِ الصَّحِيفَةِ لِأَهْلِ المَدِينَةِ- فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ مَسْجِدَ قُبَاءَ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، ثُمَّ أَتَى بَنِي النَّضِيرِ فكَلَّمَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: نَعَمْ يَا أبَا القَاسِمِ نُعِينُكَ عَلَى مَا أَحْبَبْتَ، مِمَّا اسْتَعَنْتَ بِنَا عَلَيْهِ، فَجَلَسَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُويهِمْ يَنْتَظِرُ وَفَاءَهُمْ بِمَا وَعَدُوا، وَجَلَسَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجْمَعِينَ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا خَلَا اليَهُودُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ هَمُّوا بِالغَدْرِ بِهِ، وَائْتَمَرُوا بِقَتْلِهِ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ، فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا البَيْتِ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيَقْتُلَهُ بِهَا ويُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هُوَ: عَمْرُو بنُ جَحَّاشِ بنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: أنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَخْرَةً، كَمَا قَالَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا أَرَادَ القَوْمُ، فَقَامَ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُظْهِرًا أنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةً، وَتركَ أصْحَابَهُ في مَجْلِسِهِمْ، وَرَجَعَ سَرِيعًا إلى المَدِينَةِ.

فَلَمَّا اسْتَبْطَأَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-أَصْحَاُبهُ، قَامُوا في طَلَبِهِ، فَلَقَوْا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنَ المَدِينَةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ دَاخِلًا المَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُمْ -صلى اللَّه عليه وسلم- الخَبَرَ بِمَا أَرَادَتْ يَهُودُ مِنَ الغَدْرِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِحَرْبِهِمْ وَالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ (١).


(١) انظر دلائل النبوة للبيهقي (٣/ ٣٥٥) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (٢/ ٢٧٨) - سيرة ابن هشام (٣/ ٢١١) - البداية والنهاية (٤/ ٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>