للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَسًا، وَكَانَ كَارِهًا لِلْخُرُوجِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ (١)، وَقِيلَ: عُسْفَانَ (٢)، ثُمَّ أَلقى اللَّهُ تَعَالَى في قَلْبِهِ الرُّعْبَ، فَرَأَى أَنْ يَرْجعَ، فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ هَذَا العَامَ عَامُ جَدْبٍ (٣)، وَلَا يُصْلِحُكُمْ إِلَّا عَامٌ خِصْبٌ (٤)، تَرْعَوْنَ فِيهِ الشَّجَرَ، وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللَّبَنَ، وَإِنِّي رَاجعٌ فَارْجِعُوا، فَرَجَعَ النَّاسُ.

ثُمَّ أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ نُعَيْمَ بنَ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيَّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: إِنِّي قَدْ وَاعَدْتُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَنْ نَلْتَقِي بِبَدْرٍ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ الوَقْتُ، وَهَذَا عَامُ جَدْبٍ، وَإِنَّمَا يُصْلِحُنَا عَامٌ خَصْبٌ، وَأَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مُحَمَّدٌ وَلَا أَخْرُجَ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْنَا، وَقَدْ جَعَلْتُ لَكَ عِشْرِينَ بَعِيرًا عَلَى أَنْ تَقْدُمَ المَدِينَةَ فتخَذِّلَ (٥) أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عَنِ الخُرُوجِ لِبَدْرٍ، فَوَافَقَ نُعَيْمُ بنُ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ النَّاسَ يَتَجَهَّزُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ، أَلَمْ يَخْرُجْ مُحَمَّدٌ في نَفْسِهِ، أَلَمْ يَقْتُلْ أَصْحَابَهُ، وَأَخْبَرَهُمْ بِجَمْعِ أَبِي سُفْيَانَ لَهُمْ، وَمَا مَعَهُ مِنَ العُدَّةِ وَالسِّلَاحِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرُجَنَّ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِيَ أَحَدٌ".


(١) مَرُّ الظهْرَان: هو وادٍ بين مكة وعُسفان. انظر النهاية (٣/ ١٥٢).
(٢) عُسْفَان: هي قرية جامعة بين مكة والمدينة. انظر النهاية (٣/ ٢١٤).
(٣) الجَدْب: القَحْط. انظر النهاية (١/ ٢٣٥).
(٤) الخِصْب: ضد الجَدْب. انظر النهاية (٢/ ٣٥).
(٥) التَّخْذِيلُ: حَمْلُ الرجل علي خِذْلان صَاحِبه، وتثبيطه عن نُصْرته. انظر لسان العرب (٤/ ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>