للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسَ عَنِ العَصَبِيَّةِ المُنْتِنَةِ التِي أَثَارَهَا صِيَاحُ الرَّجُلَيْنِ المُتَقَاتِلَيْنِ: يِالَلْأَنْصَارِ! يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَليَصْرِفَهُمْ كَذَلِكَ عَنِ الفِتْنَةِ التِي أَطْلَقَهَا المُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ، وَأَرَادَهَا أَنْ تَحْرِقَ مَا بَيْنَ الأَنْصَارِ والمُهَاجِرِينَ مِنْ مَوَدَّةٍ وَإِخَاءٍ فَرِيدٍ فِي تَارِيخِ العَقَائِدِ، وَفِي تَارِيخِ الإِنْسَانِيَّةِ (١).

فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالرَّحِيلِ فَوْرًا، وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَرْتَحِلُ فِيهَا، فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ -رضي اللَّه عنه-، فَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلَامِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَاللَّهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِي مِثْلِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوَمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ؟ ".

قَالَ: وَأَيُّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: "عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ".

قَالَ: وَمَا قَالَ؟

قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ".

قَالَ أُسَيْدٌ -رضي اللَّه عنه-: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ تُخْرِجُهُ مِنْهَا إِنْ شِئْتَ، هُوَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ، وَأَنْتَ العَزِيزُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ارْفُقْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِكَ، وَإِنَّ قَوْمَهُ لَيَنْظُمُونَ لَهُ الخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّكَ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ مُلْكًا (٢).


(١) انظر فِي ظلال القرآن لسيد قطب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (٦/ ٣٥٧٨).
(٢) انظر سيرة ابن هشام (٣/ ٣١٩) - دلائل النبوة للبيهقي (٤/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>