للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ يَدُورُونَ حَوْلَ الْخَنْدَقِ، يَتَحَسَّسُونَ نُقْطَةً ضَعِيفَةً، لِيَنْحَدِرُوا مِنْهَا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا، فَأَخَذُوا يُنَاوِشُونَ (١) الْمُسْلِمِينَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ وِجَاهَهُمْ يَحْرُسُونَ خَنْدَقَهُمْ وَيَتَطَلَّعُونَ إِلَى جَوْلَاتِ الْمُشْرِكِينَ، وَيَرْشُقُونَهُمْ (٢) بِالنَّبْلِ، حَتَّى لَا يَجْتَرِئُوا عَلَى الاقْتِرَابِ مِنْهُ.

وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْب إِلَّا الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ، وَالحِصَارُ (٣).

* نَقْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ الْعَهْدَ:

ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْب كَلَّمَ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يَسْأَلُهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ الذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَيَكُوُنوا مَعَهُمْ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ -سَيِّدَ بَنِي قُرَيْظَةَ- فَأَغْلَقَ كَعْبٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ حِصْنِهِ، وَأَبَى أَنْ يُقَابِلَ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ، لَكِنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ أَلَحَّ عَلى كَعْبِ بْنِ أَسَد وَأَخَذَ يَضْربُ عَلَى بَابِه وَيُنَاديه: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ! افتحْ لِي، فَقَالَ كَعْبٌ: وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْؤُومٌ، وَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا.

فَقَالَ حُيَيٌّ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ! افتحْ لِي أُكَلِّمْكَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَقَالَ


(١) الْمُنَاوَشَةُ في القتالِ: تَدانِي الفَريقينِ. انظر النهاية (٥/ ١١٢).
(٢) الرَّشْقُ: الرَّمْيُ. انظر النهاية (٢/ ٢٠٦).
(٣) انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (٢/ ٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>