للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُرَيْظَةَ، وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الْإِسْرَاعَ، وَصَلُّوا الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ (١).

* أَيُّ الطَّائِفَتَيْنِ أَصْوَبُ؟ :

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيُّهُمَا كَانَ أَصْوَبَ؟

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: الذِينَ أَخَّرُوهَا هُمُ الْمُصِيبُونَ وَلَوْ كُنَّا مَعَهُمْ، لَأَخَّرْنَاهَا كَمَا أَخَّرُوهَا، وَلَمَا صَلَّيْنَاهَا إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَتَرْكًا لْلتَّأْوِيلِ الْمُخَالِفِ لِلظَّاهِرِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنَ الْفُقَهَاءِ: بَلِ الذِينَ صَلُّوهَا فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا حَازُوا قَصَبَ السَّبْقِ (٢)، وَكَانُوا أَسْعَدَ بِالْفَضِيلَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ بَادَرُوا إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الْخُرُوجِ، وَبَادَرُوا إِلَى مَرْضَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ بَادَرُوا إِلَى اللَّحَاقِ بِالْقَوْمِ، فَحَازُوا فَضِيلَةَ الْجِهَادِ، وَفَضِيلَةَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَفَهِمُوا مَا يُرادُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَفْقَهَ مِنَ الْآخِرِينَ، وَلَاسِيَّمَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ وَلَا مَطْعَنَ فِيهِ (٣)، وَمَجِيءُ السُّنَّةِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا،


(١) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب مرجع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأحزاب - رقم الحديث (٤١١٩) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب المبادرة بالغزو - رقم الحديث (١٧٧٠).
(٢) يُقال: حَازَ قَصَبَ السَّبْقِ: أي استولى على الأمر. انظر لسان العرب (١١/ ١٧٩).
(٣) أخرج الإمام مسلم في صحيحه - رقم الحديث (٦٢٧) (٢٠٥) عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: قال رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر".

<<  <  ج: ص:  >  >>