للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنَافِقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَجَبُنُوا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانُوا يَأْتُونَ، وَتَبعَ هَذَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَعُودُوا يُفَكِّرُونَ فِي غَزْوِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ أَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ هُمُ الذِينَ يَغْزُونَهُمْ، حَتَّى كَانَ فتحُ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ هُنَاكَ تَلَازُمٌ بَيْنَ حَرَكَاتِ الْيَهُودِ وَحَرَكَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَحَرَكَاتِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّ طَرْدَ الْيَهُودِ مِنَ الْمَدِينَةِ قَدْ أَنْهَى هَذَا التَّلَازُمَ، وَإِنَّهُ كَانَ فَارِقًا وَاضِحًا بَيْنَ عَهْدَيْنِ فِي نَشْأَةِ الدَّوْلَةِ الْإسَلَامِيَّةِ وَاسْتِقْرَارِهَا (١).

وَبِالْقَضَاءِ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ تَخَلَّصَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ آخِرِ شَوْكَةٍ فِي ظُهُورِهِمْ، وَأَصْبَحَتْ كُلُّهَا -مَا عَدَا الْمُنَافِقِينَ- عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَوْئِلَ الْإِسْلَامِ، وَحِصْنَهُ الْحَصِينَ (٢).

* وَفَاةُ السَّيِّدِ الْكَبِيرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه-:

فَلَمَّا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه- فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي، وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، وَشَفَى صَدْرَهُ مِنْهُمْ، انْفَجَرَ جُرْحُهُ -رضي اللَّه عنه- فَمَاتَ.

وَكَانَ سَعْدٌ -رضي اللَّه عنه- قَدْ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُمِيتَهُ حَتَّى يُقِرَّ عَيْنَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ حِينَ نَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الْعُهُودِ، وَالْمَوَاثِيقِ، وَالذِّمَامِ، وَمَالُوا عَلَيْهِ مَعَ الْأَحْزَابِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: . . . وَرَمَى


(١) انظر في ظلال القرآن لسيد قطب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص (٥/ ٢٨٤٩).
(٢) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة (٢/ ٤٠٩) للدكتور محمد أبو شهبة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>