كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون

ثُمَّ فرَجَ عَنْهُ"، يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ (١)

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شرْحِ مُشْكِلِ الْآثَارِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه- صَاحَتْ أُمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَا يَرْقَأُ (٢) دَمْعُكِ وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ" (٣).

= بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألمَ فقدِ ولدِهِ وحميمِهِ في الدنيا، وكما يجد مِنْ أَلَمِ مَرَضِهِ، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك، فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد، وماهي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق اللَّه به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه، قال تَعَالَى في سورة مريم آية (٣٩): {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}، وقال تَعَالَى في سورة غافر آية (١٨): {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ}، فنسأل اللَّه تَعَالَى العفو واللطف الخفى، ومع هذه الهزات، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء -رضي اللَّه عنه-.
(١) أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب الجنائر - باب ضَمَّةِ القبرِ - رقم الحديث (٢١٩٣) - وابن سعد في طبقاته (٣/ ٢٢٨) - وأخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة - رقم الحديث (١٤٩٧).
(٢) يُقَالُ رَقَأَ الدَّمْعُ: إذا سَكَنَ وانْقَطَعَ. انظر النهاية (٢/ ٢٢٦).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٧٥٨١) - والحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب أول من ضحك اللَّه إليه: سعد بن معاذ -رضي اللَّه عنه- رقم الحديث (٤٩٧٨) - وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (٤١٧٠) - وأورده الهيثمي في المجمع (٩/ ٣٠٩)، وقال: رجاله رجال الصحيح.