للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ثَانِيًا: حُبُّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْخَلْوَةِ:

وَلَمَّا تَقَارَبَتْ سِنُّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الْأَرْبَعِينَ حَبَّبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ الْخَلْوَةَ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ وَحْدَهُ، فكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَهْجُرُ مَكَّةَ كُلَّ عَامٍ لِيَقْضيَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي غَارِ حِرَاءٍ (١)، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَحَنَّثُ (٢) بِهِ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.


= - وأخرجه في كتاب التفسير - باب (١) - رقم الحديث (٤٩٢٣) - ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب بدء الوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (١٦٠).
(١) حِراءٌ: بكسر الحاء، غارٌ صَغيرٌ في جبَلٍ من جِبَالِ مكَّةَ، يُعرف بجبَلِ النُّورِ. انظر النهاية (١/ ٣٦٢).
قال ابن أبي جَمْرَةَ فيما نقله عنه الحافظ في الفتح (١٤/ ٣٧٧): الحكمةُ في تَخْصِيصِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتَّخَلِّي في غَارِ حِرَاءٍ أَنَّ المُقِيمَ فيه كان يُمْكِنُهُ رُؤيةُ الكعبةِ، فيجتَمِعُ لِمنْ يَخْلُو فيه ثلاثُ عِبَادَاتٍ: الخَلْوة، والتَّعَبُّدُ، والنَّظَرُ إلى البيتِ.
(٢) يَتَحَنَّثُ: أي يَتَعَبَّدُ. انظر النهاية (١/ ٤٣٢).
قال الحافظ في الفتح (٩/ ٧٣٦): . . . وهذا يلتفت إلى مَسْألةٍ أُصُوليّةٍ، وهو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- هَلْ كَانَ قبلَ أَنْ يُوحى إليهِ مُتَعبدًا بشريعةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ؟ .
قال الجمهور: لا؛ لأنه لو كان تَابعًا لاسْتَبْعَدَ أن يكونَ مَتْبُوعًا، ولأنَّه لو كَانَ لنُقِل مَنْ كان ينسب إليه، وقِيل: نَعَمْ، واختلَفُوا في تعِيينه على ثمَانِيَةِ أقوالٍ: أحدُها آدم عليهِ السَّلامُ، والثَّاني نوحٌ عليهِ السَّلامُ، والثالث إبراهيم عليهِ السَّلامُ ذهب إليه جماعةٌ واستدلوا بقوله تَعَالَى في سورة النحل آية (١٢٣): {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا. . .}، والرَّابعُ مُوسى عليهِ السَّلامُ، والخامسُ عِيسى عليهِ السَّلامُ، والسادس بكلّ شيء بلغَهُ عن شَرْعِ نبيٍّ من الأنبياء وحجته قوله تَعَالَى في سورة الأنعام آية (٩٠): {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، والسَّابع الوقفُ، ولا تَخْفى قوة الثالثِ، ولاسيما مع ما نُقِلَ من ملازمته -صلى اللَّه عليه وسلم- الحج والطَّواف، ونحو ذلك مما بَقِيَ عندهم من شريعةِ إبراهيم عليهِ السَّلامُ، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>