للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطَارِقَتُهُ (١) وَأَشْرَافُ الرُّوم، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْس (٢) مَهْمُومًا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ -وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً (٣) يَنْظُرُ في النُّجُومِ- فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مُلْكَ (٤) الخَتَانِ قَدْ ظَهَرَ (٥)، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ (٦)؟

قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا اليَهُودُ فَلَا يَهُمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ اليَهُودِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَانَتِ المُلُوكُ تُهَادِي الأَخْبَارَ بَيْنَهَا، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟

فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلهُ عَنِ العَرَبِ فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ؟ فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا وَاللَّهِ الذِي أُرِيتُ، ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إلى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَّةَ،


(١) البَطَارِقَة: جمع بِطْرِيقٍ بكسر الباء وسكون الطاء وكسر الراء، وهو الحَاذِقُ بالحَرْبِ وأُمُورِها بلُغَة الروم. انظر النهاية (١/ ١٣٤).
(٢) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (١/ ٦٠): خبيثُ النفس: أي رَدِيءُ النَّفْسِ غير طيبها، أي مهمومًا.
(٣) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (١/ ٦٠): حزَّاء: بفتح الحاء وبتشديد الزاي: أي كاهنًا.
(٤) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (١/ ٦١): مُلْك: بضم الميم وإسكان اللام، وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام.
(٥) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (١/ ٦١): أي غلب، يعني دَلَّه نَظَرُهُ في حُكْمِ النجوم على أن ملك الخان قد غلب، وهو كما قال؛ لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذْ صالَحَ كُفَّار مكة بالحديبية، وأنزل اللَّه تَعَالَى عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية.
(٦) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (١/ ٦١): أي من أهل هذا العصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>