للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاءٌ، فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى المَاءِ الذِي حَلّأتُهُمْ (١) عَنْهُ بِذِي قَرَدٍ، فإِذا بِنَبِيِّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي خَمْسِ مِئةٍ، وَإِذا بِلَالٌ قدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ (٢) مِنْ أَصْحَابِكَ مِئَةَ رَجُلٍ، فَأَتْبَعَ القَوْمَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَلِكَ يَا سَلَمَةُ".

قَالَ -رضي اللَّه عنه-: نَعَمْ، وَالذِي أَكْرَمَكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ (٣) فِي ضَوْءَ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأسْجِحْ (٤)، إِنَّهُمْ الآنَ لَيُقْرَونَ (٥) فِي أَرْضِ غَطَفَانَ".

قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ: مَرُّوا عَلَى فُلَانٍ الغَطَفَانِيِّ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا، فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ (٦) جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا، فَقَالُوا: أَتَاكُمُ القَوْمُ، فتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هَارِبِينَ.


(١) حلأتهم: أي صدَدْتُهم ونَفَيْتُهم عنه، يقصد الذين كان يلحقهم. انظر النهاية (١/ ٤٠٤).
(٢) الانتِخَابُ: الاختيار والانتقاء. انظر النهاية (٥/ ٢٦).
(٣) قال الإِمام النووي في شرح مسلم (١٢/ ١٥٢): النواجذ من الأضراس: أي الأنياب.
(٤) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٨/ ٢٣٧): بهمزة قطع وجيم مكسورة: أي سَهّل، والمعنى قدرتَ فاعْفُ، والسَّجَاحَة: السهولة.
(٥) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (٨/ ٢٣٧): يُقْرَون: بضم الياء وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القِرى وهي الضيافة.
وفي رواية ابن إسحاق في السيرة (٣/ ٣١٢): قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنهم الآن ليغبقون".
وهو بضم الغين، من الغُبُوقِ وهو شرب أول الليل، والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم، ونزلوا عليهم، فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم.
(٦) كَشَطَ: رفع وقلع وكشف. انظر النهاية (٤/ ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>