للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (١).

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِالشَّوَاهِدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ، وَيَأْكُلُونَ المَيْسِرَ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (٢).

فَقَالَ النَّاسُ: مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا، إِنَّمَا قَالَ: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الخَمْرَ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الأَيَّامِ، صَلَّى رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، أَمَّ أَصْحَابَهُ فِي المَغْرِبِ، خَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا آيَةً أَغْلَظَ مِنْهَا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (٣)، فَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمُ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُفِيقٌ.

ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةٌ أَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ


(١) سورة المائدة آية (٩٠) - وانظر في ظلال القرآن لسيد قطب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (٢/ ٩٧٤).
(٢) سورة البقرة آية (٢١٩).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسيره (١/ ٥٧٩): أما إثمُهُمَا فهو في الدِّين، وأما المنافع فدُنيوية، من حيث إِنَّ فيها نفع البدن، وتهضيمُ الطعام، وإخراجُ الفَضَلات، وتشحيذ -أي تحرك- بعض الأذهان، ولذة الشدة المُطربة التي فيها، وكذا بيعها والاتفاع بثمنها، وما كان يُقمِّشه -أي يجمعه- بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله، ولكن هذه المصالحُ لا تُوَازي مضَرَّته ومفسدته الراجحة؛ لتعلقها بالعقل والدين.
(٣) سورة النساء آية (٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>