للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُطْلِعُنِي عَلَى الحَاضِرِ (١)، فَانْبَطَحْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ المَغْرِبُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَنَظَرَ، فَرَآنِي مُنْبَطِحًا عَلَى التَلِّ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى عَلَى هَذَا التَّلِّ سَوَادًا مَا رَأَيْتُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَانْظُرِي لَا تَكُونُ الكِلَابُ اجْتَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ، قَالَ: فنَظَرَتْ، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا: فنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ كِنَانَتِي، قَالَ: فَنَاوَلتهُ، فَرَمَانِي بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِي جَنْبِي، قَالَ فنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، ثُمَّ رَمَانِي آخَرَ، فَوَضَعَهُ فِي رَأْسِ مَنْكبِي، فَنَزَعْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لَقَدْ خَالَطَهُ (٢) سَهْمَايَ، وَلَوْ كَانَ زَائِلَةً (٣) لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِي سَهْمَيَّ، فَخُذِيهِمَا، لَا تَمْضَغُهُمَا عَلَيَّ الكِلَابُ.

قَالَ جُنْدُبُ بنُ مَكِيثٌ الجُهَنِيُّ -رضي اللَّه عنه-: وَأَمْهَلْنَاهُمْ حَتَّى رَاحَتْ رَائِحَتُهُمْ (٤)، حَتَّى إِذَا احْتَلَبُوا وَعَطَّنُوا (٥)، أَوْ سَكَنُوا، وَذَهَبَتْ عَتَمَةٌ (٦) مِنَ اللَّيْلِ، شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الغَارَةَ، فَقتَلْنَا مَنْ قَتَلَنَا مِنْهُمْ، وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، فتَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ، وَخَرَجَ صَرِيخُ القَوْمِ إِلَى قَوْمِهِمْ مُغَوِّثًا، وَخَرَجْنَا سِرَاعًا، حَتَّى نَمُرَّ بِالحَارِثِ بنِ البَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَدْرَكَنَا القَوْمُ حَتَّى قَرُبُوا مِنَّا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ


(١) الحاضِرُ: القومُ النُّزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه. انظر النهاية (١/ ٣٨٤).
(٢) خالَطَهُ: أصابه. انظر لسان العرب (٤/ ١٧٨).
(٣) الزائِلَةُ: كل شيء من الحيوان يزول عن مكانه ولا يستقر. انظر النهاية (٢/ ٢٨٨).
(٤) راحتْ رائحَتُهُمْ: أي ردت إبلهم وغنمهم إلى مأواها الذي تأوي إليه ليلًا. انظر لسان العرب (٥/ ٣٦٢).
(٥) يقال: إبل عُطَّان وعَطَّنت: سقاها ثم أناخها وحبسها عند الماء. انظر لسان العرب (٩/ ٢٧٣).
(٦) عَتَمَةُ الليل: هي ظلمته. انظر النهاية (٣/ ١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>