للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا (١) إِلَى لرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِحَاطِبٍ: "يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ ".

قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، -أَيْ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا-، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا، وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقكُمْ" (٢).

فَقَالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ (٣)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ.

وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ


(١) أي بالصحيفة.
(٢) في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (٣٩٨٣) قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا".
(٣) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٩/ ٦٢٥): إنما قال ذلك عُمَر -رضي اللَّه عنه- مع تصديقِ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لحاطب فيما اعتذر به، لما كان عند عمر -رضي اللَّه عنه- من القوة في الدين، وبغض من ينسب إلى النفاق، وظن أن من خالف ما أمره به رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله، وأطلق عليه منافقًا؛ لكونه أبطن خلاف ما أظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>