للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِسْلَامَ، فَحَيْثُ شَاءَ العَبْدُ عَبَدَ رَبَّهُ" (١).

وَرَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ الْفتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ (٢)، وَلَكِنْ جِهَاد وَنيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" (٣).

قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذ الأَحَادِيثُ وَالآثَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الهِجْرَةَ إِمَّا الكَامِلَةُ أَوْ مُطْلَقًا قَدِ انْقَطَعَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَظَهَرَ الإِسْلَامُ، وَثَبُتَتْ أَرْكَاُنهُ وَدَعَائِمُهُ، فَلَمْ تَبْقَ هِجْرَةٌ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَعْرِضَ حَالٌ يَقْتَضِي الهِجْرَةَ، بِسَبَبِ مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الحَرْبِ، وَعَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى إِظْهَارِ الدِّينِ عِنْدَهُمْ، فتَجِبُ الهِجْرَةُ إِلَى دَارِ الإِسْلَامِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ العُلَمَاءِ، وَلَكِنْ هَذِهِ الهِجْرَةُ لَيْسَتْ كَالهِجْرَةِ قَبْلَ الفَتْحِ، كَمَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الجِهَادِ وَالإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَشْرُوعٌ، وَرُغِّبَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَلَيْسَ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (٣٩٠٠) - وابن حبان في صحيحه - كتاب السير - باب الهجرة - رقم الحديث (٤٨٦٧).
(٢) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٦/ ١٢٢): والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة علي الأعيان إلى المدينة انقطعت، إِلَّا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر، والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب وجوب النفير - رقم الحديث (٢٨٢٥) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب تحريم مكة وصيدها - رقم الحديث (١٣٥٣) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٩٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>