للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْحَافِظُ في الْفتْحِ: وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ الذِي يَتَعَلَّقُ بِقِصَّةِ الشَّيْخَيْنِ في تَخَالُفِهِمَا في التَّأْمِيرِ هُوَ أَوَّلُ السُّورَةِ: {لَا تُقَدِّمُوا} وَلَكِنْ لَمَّا اتَّصَلَ بِهَا قَوْلُهُ: {لَا تَرْفَعُوا} تَمَسَّكَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- مِنْهَا بِخَفْضِ صَوْتِهِ، وَجُفَاةُ الْأَعْرَابِ الذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَالذِي يَخْتَصُّ بِهِمْ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} (١).

* فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ:

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُكْرَهُ رَفع الصَّوْتِ عِنْدَ قَبْرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كَمَا كَانَ يُكْرَهُ في حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْترَمٌ حَيًّا وَفِي قَبِرْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، دَائِمًا، ثُمَّ نَهَى عَنِ الْجَهْرِ لَهُ بِالْقوْلِ كَمَا يَجْهَرُ الرَّجُلُ لِمُخَاطَبِهِ مِمَّنْ عَدَاهُ، بَلْ يُخَاطَبُ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَتَعْظِيمٍ، وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدٍ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا في الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي (٢) رَجُلٌ، فنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا. فَقَالَ لَهُمَا عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: مَنْ أَنْتُمَا؟ -أَوْ قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا (٣)، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا في مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-! (٤).


(١) انظر فتح الباري (٩/ ٥٦٧).
(٢) حصبني: أي رماني بالحصباء، وهو الحصى الصغار. انظر النهاية (١/ ٣٧٩).
(٣) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (٢/ ١٣٧): زاد الإسماعيلي: "جَلْدًا".
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الصلاة - باب رفع الصوت في المسجد - رقم الحديث (٤٧٠) - وانظر كلام الحافظ ابن كثير في تفسيره (٧/ ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>