للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نواسِكَ.

فَقُلْتُ حِينَ قَرَأتهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ! فَتَيَمَّمْتُ (١) بِهَا التَّنُورَ فَسَجَرتُهَا بِهَا (٢)، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ يَأْتِيني فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ (٣). فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ.

فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ.

قَالَ كَعْبٌ -رضي اللَّه عنه-: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ (٤) هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ؟ ، قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ"، فَقَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَى شَيْءٍ، وَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَبكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا.

فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي امْرَأَتِكَ، فَقَدْ أَذِنَ


(١) تَيَمَّمْتُ: قَصَدْتُ. انظر النهاية (٥/ ٢٥٩).
(٢) سَجَرْتُهَا بِهَا: أي أَوْقَدَ النَّارَ بهذه الرسالة؛ أي أنَّه أَحْرَقَهَا. انظر لسان العرب (٦/ ١٧٧). قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (٨/ ٤٦٢): ودَلّ صنيع كعب -رضي اللَّه عنه- هذا على قوة إيمانه ومحبته للَّه ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . ولما احتمل عنده أنَّه لا يأمن من الافتتان حسم المادة، وأحرق الكتاب.
(٣) قال الحافظ في الفتح (٨/ ٤٦٣): امرأته هي: عميرة بنت جُبير بن صخر الأنصارية، أم أولاده الثلاثة: عبد اللَّه، وعبيد اللَّه، ومعبد.
(٤) قال الحافظ في الفتح (٨/ ٤٦٣): هي خولة بنت عاصم.

<<  <  ج: ص:  >  >>