للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: يَقُولُونَ: إنَّهُ شَاعِرٌ وسَاحِرٌ وكَاهِنٌ -وكَانَ أُنَيْسُ شَاعِرًا-.

فقَالَ أُنَيْسٌ: قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكُهَّانِ، فَمَا يَقُولُ بِقَوْلهِمْ، وقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أقْرَاءِ الشِّعْرِ (١)، فَوَاللَّهِ مَا يَلْتَئِمُ لِسَانُ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، واللَّهِ إنَّهُ لَصَادِقٌ، وإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.

فقَالَ أَبُو ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه-: هَلْ أَنْتَ كَافِيَّ حتَّى أنْطَلِقَ فَأَنْظُرَ؟ (٢)

قَالَ: نَعَمْ، فكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فإنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ (٣)، وتَجَهَّمُوا (٤) لَهُ.

قَالَ أَبُو ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه-: فَانْطَلَقْتُ حتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فتَضعَّفْتُ (٥) رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: أيْنَ هذَا الرَّجُلُ الذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟

فأشَارَ إِلَيَّ، وَقَالَ: الصَّابِئُ، فَمَالَ أَهْلُ الوَادِي عَلَيَّ بِكُلِّ مَدَرَةٍ (٦)، وَعَظْمٍ حتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَارْتَفَعَتُ حِينَ ارْتَفَعَتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أحْمَرُ (٧)،


(١) أقْرَاءُ الشِّعْرِ: أي طرُقُ الشِّعْرِ وأنوَاعهُ وبُحُورُهُ. انظر النهاية (٤/ ٢٨).
(٢) في رواية مسلم في صحيحه قال -رضي اللَّه عنه-: فاكفِنِي حتَّى أذهَبَ فأنْظُرَ.
(٣) شَنِفُوا له: أي أبْغَضُوهُ. انظر النهاية (٢/ ٤٥١).
(٤) تَجَهَّمَنِي القَوْمُ: إذا لَقُونِي بالغِلْظَةِ، والوجه الكَرِيهِ. انظر النهاية (١/ ٣١١).
(٥) قال الإمام النووي في شرح مسلم (١٦/ ٢٤): يعني نَظَرْتُ إلى أضْعَفِهِمْ، فسألتُهُ؛ لأن الضَّعِيفَ مأمُونُ الغائِلَةِ غَالبًا.
(٦) المَدَرُ: هو الطِّينُ المُتَمَاسِكُ. انظر النهاية (٤/ ٢٦٤).
(٧) النُّصُبُ: بضم النون هو الصَّنَمُ، وكانوا في الجاهلية يَنْصُبُونَ الصنم، ويَذْبَحونَ عنده، فيَحْمَرُّ بالدم، ويَقْصِدُ -رضي اللَّه عنه-: أَنَّ مِنْ كْرَةِ الدِّماءِ التي سَالتْ منهُ صار كأنَّهُ الصَّنَمُ المُمْتَلِئُ بالدِّماء من كثرةِ ما يُذْبَحُ عنده. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (١٦/ ٢٤) - النهاية (٥/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>