للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ (١)، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ (٢) الذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ ".

قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ.

فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: "أَليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ".

قُلْنَا: بَلَى، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ".

قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ.


(١) قال الإمام البغوي في شرح السنة (٧/ ٢٢٠ - ٢٢٢): معناه أن العرب كانت في الجاهلية قد بدّلت أشهر الحُرم، وذلك أنهم كانوا يعتقدون تعظيم هذه الأشهر الحرم، ويتحرَّجون فيها عن القتال، فاستحل بعضهم القتال فيها من أجل أن عامة معايشهم كانت من الصيد والغارة، فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر على التوالي، وكانوا إذا استحلّوا شهرًا منها، حَرَّموا مكانه شهرًا آخر، وهو النسيء الذي ذكره اللَّه سبحانه وتَعَالَى في سورة التوبة آية (٣٧)، فقال: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}. ومعنى النسيء: تأخير تحريم رجب إلى شعبان، والمحرم إلى صفر، مأخوذ من نسأت الشيء: إذا أخرته. . . إلى أن كان العام الذي حج فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوافى حجهم شهر الحج المشروع، وهو ذو الحجة، فوقف بعرفة اليوم التاسع، وخطب اليوم العاشر بمنى، وأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان، وعاد الأمر إلى ما وضع اللَّه عليه حساب الأشهر يوم خلق السموات والأرض، وأمرهم بالمحافظة عليه، لئلا يتبدل في مستأنف الأيام.
(٢) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (٩/ ٢٢٢): إضافة شهر رجب إلى قبيلة مُضر؛ لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه، بخلاف غيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>