للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ" (١)، فَمَا زَالَا خَائِفِينَ حَتَّى ارْتَدَّ الرَّجَّالُ، وَآمَنَ بِمُسَيْلِمَةَ، وَشَهِدَ لَهُ زُورًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ أَشْرَكَ مُسَيْلِمَةَ مَعَهُ في النُّبُوَّةِ، فَكَانَ الرَّجَّالُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَعْظَمَ فِتْنَةٍ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنَّهُمْ صَدَّقُوهُ وَاسْتَجَابُوا لَهُ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ أُرِيَ قَبْلَ ذَلِكَ في الْمَنَامِ أَنَّهُ وُضِعَ في يَدَيْهِ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهَهُمَا، فنَفَخَهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلَهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُريرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ في يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَب، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ في الْمَنَامِ أَنْ أَنْفُخَهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ (٢) يَخْرُجَانِ بَعْدِي" (٣).

فَكَانَ أَحَدَهُمَا الْعَنْسِيُّ، صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَالْآخَرَ مُسَيْلِمَةُ، صَاحِبُ الْيَمَامَةِ (٤).


(١) أورد هذا الحديث الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٦/ ٧١٦).
(٢) قال المهلب فيما نقله عنه الحافظ في الفتح (١٤/ ٤٥٧): إنما أول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- السوارين بالكذابين؛ لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه، فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه؛ لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له، وأيضًا ففي كونهما من ذهب، والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب، وأيضا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه، وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا، فعرف أنه لا يثبت لهما أمر.
(٣) قال الإمام النووي في شرح مسلم (١٥/ ٢٨): المراد بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يخرجان بعدي" أي تظهران شوكتهما، أو محاربتهما ودعواهما النبوة بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإلا فقد كانا في زمنه
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب قصة الأسود العنسي - رقم الحديث (٤٣٧٩) - ومسلم في صحيحه - كتاب الرؤيا - باب رؤيا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (٢٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>