للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ المُكْرَهُ عَلَى الكُفْرِ، إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ (١)، ويَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَقْتِلَ، كَمَا كَانَ بِلالٌ -رضي اللَّه عنه- يَأْبى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وهُمْ يَفْعَلُونَ بهِ الأفَاعِيلَ، حتَّى إِنَّهُمْ لَيَضَعُونَ الصَّخْرَةَ العَظِيمَةَ عَلَى صَدْرِهِ في شِدَّةِ الحَرِّ، ويَأْمُرُونَهُ أَنْ يُشْرِكَ باللَّهِ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ، وهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. ويَقُولُ: واللَّهِ لَوْ أعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أغْيَظُ لَكُمْ مِنْهَا لَقُلْتُهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرْضَاهُ، وكذَلِكَ حَبِيبُ بنُ زَيْدٍ الأنْصَارِيُّ -رضي اللَّه عنه- (٢) لَمَّا قَالَ لَهُ مُسَيْلَمَةُ الكَذَّابُ: أتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: أتَشْهَدُ أنِّي رسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: لا أسْمَعُ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَطِّعُهُ إِرَبًا إرَبًا (٣) وهُوَ ثَابِتٌ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ.

ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: والأَفْضَلُ والأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ المُسْلِمُ عَلَى دِينِهِ، ولَوْ أَفْضَى إِلَى قتلِهِ (٤).


= وأوردَهُ الحافظ في الفتح (١٢/ ٢٧٨) وقال: هو مُرْسل ورجاله ثِقاتٌ، وذكره من عدة طُرق مُرسلة، وقال: وهذه المَرَاسيل يُقوِي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ.
(١) المُهْجَةُ: الرُّوحُ. انظر لسان العرب (١٣/ ٢٠٦).
(٢) هوَ حَبِيبُ بنُ زَيْدٍ الأنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ، شَهِدَ العَقَبَةَ، وشَهِدَ أُحُدًا والخَنْدَقَ والمشَاهِدَ معَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أرسَلَهُ الرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى مُسَيْلَمَةَ الكَذَّاب، صَاحِبَ اليَمَامَةِ، فَكَانَ مُسيلمَةُ إذا قال له: أتشهَدُ أَنَّ محمدًا رسول اللَّه؟ قال: نَعَمْ، وإذا قال: أتشهَدُ أني رسول اللَّه؟ قال: أنا أصَمُّ لا أسْمَعُ، فَفَعَلَ ذلك مِرَارًا، فَقَطَّعَهُ مُسيلمَةُ عُضْوًا عُضْوًا حتى ماتَ -رضي اللَّه عنه-. انظر أسد الغابة (١/ ٤٢١).
(٣) الإرَبُ: العُضْوُ. انظر النهاية (١/ ٣٩).
(٤) انظر تفسير ابن كثير (٤/ ٦٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>