للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفْسِ، الذِي يُؤْتَى المَالَ فَتُسَيْطِرُ نَفْسُهُ بِهِ، حَتَّى مَا يُطِيقُ نَفْسَهُ! ويَرُوحُ يَشْعُرُ أَنَّ المَالَ هُوَ القِيمَةُ العُلْيَا فِي الحَيَاةِ. القِيمَةُ التِي تَهُونُ أمَامَهَا جَمِيعُ القِيَمِ وجَمِيعُ الأقْدَارِ. أقْدَارُ النَّاسِ، وأقْدَارُ المَعَانِي. وأقْدَارُ الحَقَائِقِ. وأنَّهُ وقَدْ مَلَكَ المَالَ فَقَدْ مَلَكَ كَرَامَاتِ النَّاسِ وأقْدَارَهُمْ بِلَا حِسَابٍ.

ومِنْ ثَمَّ يَنْطَلِقُ في هَوَسٍ (١) بِهَذَا المَالِ يَعُدُّهُ ويَسْتَلِذُّ تَعْدَادَهُ، وتَنْطَلِقُ فِي كَيَانِهِ نَفْخَةٌ فَاجِرَةٌ، تَدْفَعُهُ إلى الاسْتِهَانَةِ بأقْدَارِ النَّاسِ وكَرَامَتِهِمْ، ولَمْزِهِمْ وهَمْزِهِمْ. . . يَعِيبُهُمْ بِلِسَانِهِ ويَسْخَرُ مِنْهُمْ بِحَرَكَاتِهِ. سَوَاءً بِحِكَايَةِ حَرَكَاتِهِمْ وأصْوَاتِهِمْ، أَوْ بِتَحْقِيرِ صِفَاتِهِمْ وسِمَاتِهِمْ. . . وبالقَوْلِ والإشَارَةِ، بالغَمْزِ واللَّمْزِ، باللَّفْتَةِ السَّاخِرَةِ والحَرَكَةِ الهَازِئَةِ! .

وهِيَ صُورَةٌ لَئِيمَةٌ حَقِيرَةٌ مِنْ صُوَرِ النُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ حِينَ تَخْلُو مِنَ المُرُوءَةِ وتَعْرَى مِنَ الإيمَانِ. والإسْلَامُ يَكْرَهُ هَذِهِ الصُّورَةَ الهَابِطَةَ مِنْ صُوَرِ النُّفُوسِ بِحُكْمِ تَرَفُّعِهِ الأخْلَاقِيِّ، وقَدْ نَهَى عَنِ السُّخْرِيَةِ واللَّمْزِ والعَيْبِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى. إِلَّا أَنَّ ذِكْرَهَا هُنَا بِهَذَا التَّشْنِيعِ والتَّقْبِيحِ مَعَ الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ، يُوحِي بأنَّهُ كَانَ يُوَاجِهُ حَالَةً وَاقِعِيَّةً مِنْ بَعْضِ المُشْرِكِينَ تِجَاهَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وتِجَاهَ المُؤْمِنِينَ. . فَجَاءَ الرَّدُّ عَلَيْهَا في صُورَةِ الرَّدْعِ الشَّدِيدِ، والتَّهْدِيدِ الرَّعِيبِ (٢).


(١) الهَوَس: طرفٌ من الجنون. انظر لسان العرب (١٥/ ١٥٩).
(٢) انظر في ظلال القرآن (٦/ ٣٩٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>