للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ (١) فَلَا تَمْتَرُنَّ (٢) بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (٣).

رَوَى الإِمَامُ أحمَدُ في مُسْنَد بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: . . . إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ لِقُرَيْشٍ: "يَا مَعْشَرَ قُريْشٍ، إنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِيهِ خَيْرٌ"، وقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ، ومَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ، فقَالُوا: يا مُحَمَّدُ، ألَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى كَانَ نَبِيًّا وعَبْدًا مِنْ عِبَادِ


(١) قال ابن إسحاق في السيرة (١/ ٣٩٨) في تفسير هذه الآية: أي ما وُضِعت على يديه من الآيات، من إحْيَاءِ المَوْتى، وإبراءِ الأسقام، فكفَى به دَلِيلًا على عِلْمِ السَّاعَةِ.
وتعقَّبه الحافظ ابن كثير في تفسيره (٧/ ٢٣٦) فقال: وفي هذا نَظَم. . . والمرادُ بذلك نُزُولُهُ عليه السلام قبل يَوْم القِيَامَةِ، كَمَا قال تبارك وتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أي: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى عليه السلام، ثم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [سورة النساء آية (١٥٩)]، ويؤيِّدُ هذا المَعْنى القراءَةُ الأخْرَى "وإنه لَعَلَمٌ للسَّاعَةِ" أي: أمَارَةٌ ودَلِيلٌ على وُقُوعِ السَّاعة.
وقد تواتَرَت الأحاديثُ عن رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه أخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى ابنِ مريمَ عليه السلام قبلَ يَوْمِ القِيَامَةِ إمَامًا عَادِلًا، وحَكَمًا مُقْسِطًا.
(٢) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (٧/ ٢٣٦): أي لا تشُكُّو فيها، إنهَا واقِعَةٌ وكائِنَةٌ لا مَحَالة.
(٣) سورة الزخرف آية (٥٩ - ٦١). والخبر أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (٩٨٦) (٩٨٨) - والحاكم في المستدرك - كتاب التفسير - باب مذاكرة الساعة - رقم الحديث (٣٥٠١) - وابن إسحاق في السيرة (١/ ٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>