للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (١)، كَانَتْ رَوْعَةُ الحَقِّ قَدْ صَدَّعَتِ العِنادَ في نُفُوسِ المُسْتَكْبِرِينَ والمُسْتَهْزِئِينَ، فَمَا تَمالَكُوا أَنْ يَخِرُّوا للَّهِ سَاجِدِينَ، مَعَ غَيْرِهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ. . . (٢).

* لِمَاذَا سَجَدَ الكُفَّارُ إذًا؟

والصَّحِيحُ أَنَّ هَؤُلاءِ الكُفَّارَ إنَّمَا سَجَدُوا لِبَلاغَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وأنَّهُمْ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ يَسْمَعُونَ القُرآنَ مِنْ غَيْرِ تَشْوِيشٍ.

قَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الرَّحْمَنِ المُبارَكْفُورِيُّ: إِنَّ أُولَئِكَ الكُفَّارَ لَمْ يَكُوُنوا سَمِعُوا كَلامَ اللَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ أسْلُوبَهُمْ المُتَواصِلَ كَانَ هُوَ العَمَلُ بِما تَواصَى بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، مِنْ قَوْلهِمْ: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (٣) فَلَمَّا باغَتَهُمْ بِتِلاوَةِ هَذِهِ السُّورَةِ -أيِ النَّجْمِ- وَقَرَعَ آذانَهُمْ كَلامٌ إلَهِيٌّ رائِعٌ خَلَّابٌ لا يُحَاطُ بِرَوْعَتِهِ وجَلالَتِهِ البَيَانِ، تَفانَوْا عَمَّا هُمْ فِيهِ، وبَقِيَ كُلُّ واحِدٍ مُصْغِيًا إِلَيْهِ، لا يَخْطُرُ بِبالِهِ شَيْءٌ سِواهُ، حَتَّى إِذَا تَلا خَواتِيمَ هَذهِ السُّورَةِ قَوارعَ تَطِيرُ لَها القُلُوبُ: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤)


(١) سورة النجم آية (٥٣ - ٦١).
(٢) انظر فقه السيرة ص (١١١ - ١١٢).
(٣) سورة فصلت آية (٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>