للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلهَذَا اقْتَضتِ الحِكْمَةُ الإِلهِيَّةُ، والرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ ألَّا يُجَابُو عَلَى مَا سَأَلُوا، لِأَنَّ سُنَّتَهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى أَنَّهُ إِذَا طَلَبَ قَوْمٌ آيَاتٍ فَأُجِيبُوا، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا عَذَّبَهُمْ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ، كَمَا فَعَلَ بِعَادٍ، وثَمُودَ، وقَوْمِ فِرْعَوْنَ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (١).

فَلَوْ أُعْطِيَتْ قُرَيْشٌ مَا سَأَلُوا مِنَ الآيَاتِ الحِسِّيَّةِ التِي اقْترَحُوهَا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَأُهْلِكُوا، ولَكِنَّ اللَّه تَعَالَى -جَلَّتْ حِكْمَتُهُ- رَفَعَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ بِفَضْلِ نَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَدْ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً، وَلَمْ يَبْعَثْهُ نِقْمَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٢).

وَلِهَذَا قِيلَ:

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيَّنَةٌ ... كَانَتْ بَدَاهَتُهُ تُنْبِيكَ بِالخَبَرِ

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً" (٣).


(١) سورة الإسراء آية (٥٩).
(٢) سورة الأنبياء آية (١٠٧) - وانظر كلام الدكتور محمد أبو شهبة فِي كتابه السِّيرة النَّبوِيَّة (١/ ٣١٩ - ٣٢٠).
(٣) أخرجه الإِمام مسلم فِي صحيحه - كتاب البر والصلة والآداب - باب النهي عن لعن الدواب وغيرها - رقم الحديث (٢٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>