للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الدِّينُ الذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي، وَلَا دِينِ أَحَدٍ مِنَ المِلَلِ؟

فتَوَلَّى الكَلَامَ عَنِ الصَّحَابَةِ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه- (١)، فَقَالَ لَهُ: أيُّهَا المَلِكُ! كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأصْنَامَ، ونَأْكُلُ المَيْتَةَ، وَنَأْتِي الفَوَاحِشَ، ونَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الجِوَارَ، ويَأْكُلُ القَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ.

فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولَا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وصِدْقَهُ، وأمَانَتَهُ وعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ، لِنوحِّدَهُ ونَعْبُدَهُ، ونَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ والأَوْثَانِ، وأمَرَنَا بِصِدْقِ الحَدِيثِ، وأدَاءِ الأمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وحُسْنِ الجِوَارِ، والكَفِّ عَنِ المَحَارِمِ والدِّمَاءِ، ونَهَانَا عَنِ الفَوَاحِشِ، وقَوْلِ الزُّورِ، وأَكْلِ مَالِ اليَتِيمِ، وقَذْفِ المُحْصَنَاتِ (٢)، وأمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّه وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ (٣)، والزَّكَاةِ (٤) وَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلَامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، واتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ، فَعَبَدْنَا اللَّه


(١) قال أبو نعيم فِي الحلية (١/ ١٦٠): ومنهم الخَطِيبُ المِقْدَامُ، السَّخِيُّ المِطْعَامُ، خَطِيبُ العارفينَ، ومُضِيفُ المَسَاكِين، ومُهَاجرُ الهجرتينِ، ومُصَلِّي القبلتين، البَطَلُ الشُّجَاعُ الجَوَادُ الشَّعْشَاعُ، جَعْفَرُ بنُ أبي طالبٍ -رضي اللَّه عنه- فَارِقُ الخَلْقِ، ورَامِقُ الحَقِّ.
(٢) المحصنات: العفائف من النساء. انظر لسان العرب (٣/ ٢٠٩).
(٣) قولُ جعفرَ للنَّجاشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وأمَرَنا بالصلاةِ، أي الصَّلاة التي كانت قَبْلَ فَرْضِ الصلوات الخمسِ في الإسراءِ والمِعْراج، وقد بَيَّنْتُ ذلكَ فِي بِدَايةِ أمْرِ البِعْثَةِ، فراجِعْهُ.
(٤) وقوله -رضي اللَّه عنه-: الزَّكَاةُ، أَرادَ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ؛ لأنَّ زكاةَ المَالِ إِنَّمَا فُرِضَتْ بالمدِينَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>