للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتَنَاخَرَتْ (١) بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي -والسُّيُومُ: الآمِنُونَ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ- مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ جَبَلًا مِنْ ذَهَبٍ، وأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ.

ثُمَّ قَالَ لِبَطَارِقَتِهِ: رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةِ لِي بِهَا.

فخَرَجَ عَمْرُو بنُ العَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي رَبِيعَةَ مِنْ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ خَائِبِيْنِ، وأقَامَ المُسْلِمُونَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ بِخَيْرِ دَارٍ، مَعَ خَيْرِ جَارٍ (٢).

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد الغَزَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا النَّجَاشِيَّ كَانَ رَجُلًا رَاشِدًا نَظِيفَ العَقْلِ، حَسَنَ المَعْرِفَةِ للَّهِ، سَلِيمَ الِاعْتِقَادِ فِي عِيسَى عَبْدِ اللَّهِ ورَسُولهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَانَتْ مُرُونَةُ فِكْرِهِ سِرَّ المُعَامَلَةِ الجَمِيلَةِ التِي وَفَّرَهَا لِأُولَئِكَ اللَّاجِئِينَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ، فَارِّينَ بِدِينِهِمْ مِنَ الفِتَنِ (٣).

وَقَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أَبُو شَهْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وهَكَذَا نَرَى مِنْ هَذِهِ


(١) تنَاخَرَتْ: أي تَكَلَّمَتْ، وكأنه كلامٌ معَ غضَبٍ ونُفُورٍ، والنَّخِيرُ: صَوْتُ الأنْفِ. انظر لسان العرب (١٤/ ٨١)، النهاية (٥/ ٢٧).
(٢) أخرج قصة النجاشي مع جعفر -رضي اللَّه عنه- وأصحابه: الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٧٤٠) - (٢٢٤٩٨) - والحاكم فِي المستدرك - كتاب التفسير - باب قصة إسلام النجاشي - رقم الحديث (٣٢٦١) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (٥٥٩٨) - وابن إسحاق في السيرة (١/ ٣٧٢) - وإسنادها حسن.
(٣) انظر فقه السيرة للشيخ محمَّد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>