للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْرِهَا عِنْدَهُ، وَعَلَى مَزِيدِ فَضْلِهَا لِأَنَّهَا أَغْنَتْهُ عَنْ غَيْرِهَا وَاخْتَصَّتْ بِهِ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ غَيْرُهَا مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَاشَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ عَامًا، انْفَرَدَتْ خَدِيجَةُ مِنْهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا، وَهِيَ نَحْوُ الثُّلُثَيْنِ مِنَ المَجْمُوعِ، وَمَعَ طُولِ المُدَّةِ فَصَانَ قَلْبَهَا فِيهَا مِنَ الغَيْرَةِ، ومِنْ نَكَدِ الضَّرَائِرِ (١) الذِي رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ هُوَ مِنْهُ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهِيَ فَضِيلَةٌ لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا، وَمِمَّا اخْتُصَّتْ بِهِ سَبْقُهَا نِسَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَى الإِيمَانِ، فَسَنَّتْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَتْ بَعْدَهَا، فَيَكُونُ لَهَا مِثْلُ أَجْرِهِنَّ، لِمَا ثَبَتَ في الحَدِيثِ الذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (٢) فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ "مَنْ سَنَّ في الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، كَانَ لَهُ أجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ" الحَدِيثَ.

وَقَدْ شَارَكَهَا في ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّجَالِ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الثَّوَابِ بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (٣).

وَقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: في هَذهِ الأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِحُسْنِ العَهْدِ، وحِفْظِ الوُدِّ، ورِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ، وَالعَشِيرَةِ حَيًّا وَمَيْتًا، وَإِكْرَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الصَّاحِبِ (٤).


(١) الضَّرَائِرُ: زوجاتُ الرَّجُلِ. انظر لسان العرب (٨/ ٤٨).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، رقم الحديث (١٩١٥٦).
(٣) انظر فتح الباري (٧/ ٥١٧).
(٤) انظر صحيح مسلم بشرح النووي (١٥/ ١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>