للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ بنُ جَحْشٍ، وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ (١) البَصَرِ، وَكَانَ يَطُوفُ بِمَكَّةَ، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا، بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الفَارِعَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، وَكَانَ مَعَهُمَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ، وَكَذَلِكَ هَاجَرَ نِسَاؤُهُمْ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ، فَغُلِّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ بِسَبَبِ الهِجْرَةِ، فَمَرَّ بِهَا عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ، وَالعَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبُو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ، وَهُمْ مُصْعِدُونَ إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ، فنَظَرَ إِلَيْهَا عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا (٢)، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، فَلَمَّا رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ (٣) ثُمَّ قَالَ:

كُلُّ دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا ... يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا النَّكْبَاءُ وَالحَوْبُ (٤)

ثُمَّ قَالَ عُتْبَةُ: أَصْبَحَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ مِنْ قُلِّ بنِ قُلِّ (٥)، ثُمَّ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: هَذَا مِنْ عَمَلِ ابنِ أَخِيكَ هَذَا، فَرَّق جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَقَطَعَ بَيْنَنَا (٦).

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الغَزَالِي: وَأَبُو جَهْلٍ بِهَذَا الْكَلَامِ تَبْرُزُ فِيهِ طَبَائِعُ الطُّغَاةِ


(١) أي أعمَى.
(٢) التتابُ: الخَالِي لا شيءَ فيه. انظر لسان العرب (١٥/ ٤٣٣).
(٣) تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ: النّفسُ إلى فَوْقي مَمْدُودٍ، وقيلَ النَّفَسُ بتَوَجُّعٍ. انظر لسان العرب (٧/ ٣٤٣).
(٤) قال ابن هشام في السيرة (٢/ ٨٥): الحَوْبُ: التَّوَجُّعُ. وانظر لسان العرب (٣/ ٣٧٥).
(٥) القُلُّ مِنَ الرِّجال: الخَسِيسُ. انظر لسان العرب (١١/ ٢٨٧).
(٦) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٨٤ - ٨٥) - البداية والنهاية (٣/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>