للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ أُمَّكَ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهَا مِشْطٌ حَتَّى تَرَاكَ، وَلَا تَسْتَظِلَّ عَنْ شَمْسٍ حَتَّى تَرَاكَ، فَرَقَّ لَهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-: يَا عَيَّاشُ، إِنَّه وَاللَّهِ مَا يُرِيدُكَ القَوْمُ إِلَّا لِيَفْتِنُوكَ عَنْ دِينِكَ فَاحْذَرْهُمْ، فَوَاللَّهِ لَوْ آذَى أُمَّكَ القَمْلُ لَامْتَشَطَتْ، وَلَوْ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهَا حَرُّ مَكَّةَ لَاسْتَظَلَّتْ، فَقَالَ لَهُ عَيَّاشٌ: أَبَرُّ قَسَمَ أُمِّي، وَلِي هُنَاكَ مَالٌ فَآخُذُهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَكَ نِصْفُ مَالِي، وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا، وَلَكِنَّهُ أَبَى عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا، فَقَالَ لَهُ -رضي اللَّه عنه-: أَمَا إِذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ، فَإِنَّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ (١) ذَلُولُ (٢)، فَالزَم (٣) ظهْرَهَا، فَإِنْ رَابَكَ (٤) مِنَ القَوْم رَيْبٌ، فَانْجُ عَلَيْهَا.

فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي (٥) عَلَى نَاقَتِكَ هَذِهِ؟

قَالَ عَيَّاشٌ: بَلَى، فَأَنَاخَ عَيَّاشٌ، وَأَنَاخَا لِيَتَحَوَّلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَوْا


(١) النَّجِيبُ: الفاضِلُ من كلِّ حيَوَان، إذا كان فَاضِلًا نَفِيسًا في نوعه. انظر النهاية (٥/ ١٥).
(٢) دَابَّةٌ ذَلُولٌ: أي لَيِّنَةٌ سَهْلة. انظر لسان العرب (٥/ ٥٥).
(٣) اللِّزَامُ: هو المُلازَمَةُ للشَّيْءِ والدَّوَامُ عليه. انظر النهاية (٤/ ٢١٤).
(٤) الرَّيْبُ: بمعنى الشَّكّ. انظر لسان العرب (٥/ ٣٨٥) - ومنه قوله تعالى في سورة البقرة آية (٢): {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}.
(٥) اعتَقَبْتُ فُلانَا مِنَ الرُّكوب: أي نَزلْتُ فَرَكِبَ، والعقبةُ: النَّوبةُ: هذا مَرَّة، والآخر مَرَّة. انظر لسان العرب (٩/ ٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>