للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ يَدَهُ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا، فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً (١) طَرَحَ مِنْهَا قُرْطِي (٢)، قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفُوا (٣).

* لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا:

عِنْدَ ذَلِكَ رَكِبَ الفُرْسَانُ وَقُصَّاصُ (٤) الأَثَرِ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَانْتَشَرُوا فِي الجِبَالِ وَالوُدْيَانِ يَطْلَبُونَهُمَا -أَيْ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- وَاشْتَدَّ الطَّلَبُ، لَكِنْ مِنْ دُونِ جَدْوَى.

حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الجَبَلِ الذِي فِيهِ الغَارُ، وَصَعَدُوا الجَبَلَ، وَوَصَلُوا إِلَى فَمِ الغَارِ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ العُثُورِ عَلَى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ.

وَكَانَتْ أَدَقَّ لَحْظَةٍ مَرَّتْ بِهَا الإِنْسَانِيَّةُ فِي رِحْلَتِهَا الطَّوِيلَةِ، وَكَانَتْ لَحْظَةً حَاسِمَةً، فَإِمَّا امْتِدَادُ شَقَاءٍ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَإِمَّا افْتِتَاحُ سَعَادَةٍ لَا آخِرَ لَهَا، وَقَدْ حَبَسَتِ الإِنْسَانِيَّةُ أَنْفَاسَهَا، وَوَقَفَتْ خَاشِعَةً حِينَ وَصَلَ البَاحِثُونَ إِلَى فَمِ الغَارِ،


(١) قال الشيخ علي الطنطاوي في كتابه رجال من التاريخ ص ٤٠: وكذلك يفعلُ الجَبَان، عَجَزَ عن أن يضرِبَ الرجال فضرَبَ امرأةً حَامل في عبد اللَّه بن الزبير، وكذلك يَفْعل الجُبَنَاء في كل عَصْرٍ.
(٢) القُرْطُ: هو نوعٌ من حُلي الأذُن معروف. انظر النهاية (٤/ ٣٧).
(٣) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ١٠١).
(٤) قَصَّ الأثَرَ: أي تَتَبَّعه. انظر النهاية (٤/ ٦٤)، ومنه قوله تعالى في سورة القصص آية (١١) في قصة موسى عليه السلام: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>