للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: أيْ أَنَّهَا كَمَا تَنْتَشِرُ الحَيَّةُ في جُحْرِهَا في طَلَبِ مَا تَعِيشُ بِهِ، فَإِذَا رَاعَهَا شَيْءٌ رَجَعَتْ إِلَى جُحْرِهَا، كَذَلِكَ الإِيمَانُ انْتَشَرَ في المَدِينَةِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ لَه مِنْ نَفْسِهِ سَائِقٌ إِلَى المَدِينَةِ، لِمَحَبَّتِهِ في النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ جَمِيعَ الأزْمِنَةِ؛ لأَنَّهُ في زَمَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للتَّعَلُّمِ مِنْهُ، وفِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ وتَابِعِيهِمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِمْ، وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لِزِيَارَةِ مَسْجِدِهِ وَقَبْرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (١)

وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: وقَدِ انْفَرَدَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَقِيَّةِ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ بِتَفْضِيلِ المَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، والمَشْهُورُ عَنِ الجُمْهُورِ أَنَّ مَكَّةَ أفْضَلُ مِنَ المَدِينَةِ إِلَّا المَكَانَ الذِي ضَمَّ جَسَدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الجُمْهُورُ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا هَهُنَا، وأشْهَرُ دَلِيلٍ لَهُمْ في ذَلِكَ مَا أخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وابْنُ مَاجَه وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عِنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الحَمْرَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهُوَ يَقُولُ لِمَكَّةَ: "وَاللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وأحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولَوْلَا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكَ مَا خَرَجْتُ" (٢).


= رقم الحديث (١٨٧٦) - ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب بيان أن الإِسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا - رقم الحديث (١٤٧).
(١) انظر الفتح (٤/ ٥٨٠).
(٢) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٨٧١٦) - وابن ماجه في سننه - كتاب المناسك - باب فضل مكة - رقم الحديث (٣١٠٨) - وانظر كلام الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٣/ ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>