للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المُؤَذِّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعْنَاقًا يَوْمَ القِيَامَةِ" (١).

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالخَلَفُ في مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ أكْثَرُ النَّاسِ تَشَوُّفًا لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ المُتَشَوِّفَ يُطِيلُ عُنقَهُ إِلَى مَا يَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ، فَمَعْنَاهُ كَثْرَةُ مَا يَرَوْنَهُ مِنَ الثَّوَابِ.

وَقَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْل: إِذَا أَلْجَمَ النَّاسَ العَرَقُ يَوْمَ القِيَامَةِ طَالَتْ أعْنَاقُهُمْ لِئَلَّا يَنَالَهُمْ ذَلِكَ الكَرْبُ والعَرَقُ، وقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَادَةٌ، ورُؤَسَاءُ، والعَرَبُ تَصِفُ السَّادَةَ بِطُولِ العُنُقِ (٢).

وَقَالَ الإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثارِ: كَانَ المُؤَذِّنُونَ فِيمَا كَانُوا يُعَانُونَهُ مِنْ أَذَانِهِمْ في الدُّنْيَا، ورَفْعِ أصْوَاتهمْ بِهِ فَوْقَ مَا غَيْرَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الطَّاعَاتِ سِوَاهُ في مُعَانَاتِهِمْ إيَّاهُمْ كَانَتْ في الدُّنْيَا، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُوُنوا بِعُلُوِّ أصْوَاتِهِمْ في أذَانِهِمْ الذِي كَانُوا يُعَانُونَهُ في الدُّنْيَا، ومُدَاوَمَتِهِمْ عَلَيْهِ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وإِتْبَاعِهِمْ ذَلِكَ إِقَامَاتِ الصَّلَوَاتِ، واجْتِهَادِهِمْ في ذَلِكَ


(١) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصلاة - باب فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه - رقم الحديث (٣٨٧) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الصلاة - باب الأذان - رقم الحديث (١٦٦٩).
(٢) انظر صحيح مسلم بشرح النووي (٤/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>