للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْتَدُّ، فَقُلْتُ في نَفْسِي: مَالَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ؟ أَكُلُّ هَذَا فَرَقٌ (١) مِنِّي أَنْ أُشَاتِمَهُ؟

وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ، صَوْتُ ضَمْضَمِ بنِ عَمْرٍو الغِفَارِيٍّ وَهُوَ يَصْرَخُ بِبَطْنِ الوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ جَدَعَ أَنْفَ بَعِيرِهِ، وَحَوَّلَ رَحْلَهُ، وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ في أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ، قَالَ العَبَّاسُ: فَشَغَلَنِي أَبُو جَهْلٍ عَنْهُ، وَشَغَلَهُ ضَمْضَم عَنِّي مَا جَاءَ مِنَ الأَمْرِ، وَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ أشَدَّ الفَزَعِ، وَأَشْفَقُوا مِنْ قِبَلِ رُؤْيَا عَاتِكَةَ (٢).

* اسْتِعْدَادُ قُرَيْشٍ لِقِتَالِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

فتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا وَقَالُوا: أَيَظُنُّ مُحَمَّد وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الحَضْرَمِيِّ (٣)؟ كَلَّا وَاللَّهِ لَيَعْلَمَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ، فنَفَرُوا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ (٤) وَذَلُولٍ (٥)، وكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ، إِمَّا خَارج وَإِمَّا بَاعِثٌ مَكَانَهُ رَجُلًا، وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ (٦)، فَلَمْ


(١) الفَرَق بالتحريك: الخَوْف والفَزَع. انظر النهاية (٣/ ٣٩٢).
(٢) أخرج حديث رؤيا عاتكة: الحاكم في المستدرك - كتاب المغازي - باب رؤيا عاتكة - رقم الحديث (٤٣٥٣) - والبيهقي في دلائل النبوة (٣/ ٢٩) - وابن إسحاق في السيرة (٢/ ٢١٩) بأسانيد ضعيفة، ولكن تتقوى بكثرة الروايات، فيرتفع الحديث إلى درجة الحسن لغيره.
(٣) عِيرُ ابن الحضرمي: هي العِيرُ التي أدرَكَها عبد اللَّه بن جحش -رضي اللَّه عنه- في سرية نَخْلَة، وقتل فيها عمرو بن الحضرمي، وأخذ كل ما فيها.
(٤) الصَّعبُ من الدَّوَابِّ: عكس الذَّلُول. انظر لسان العرب (٧/ ٣٤٠).
(٥) الدابة الذَّلُول: هي اللَّيِّنَةُ والسَّهْلة، وهو ضد الصُّعُوبة. انظر لسان العرب (٥/ ٥٥).
(٦) أوْعَبَ القومُ: إذا خرجُوا كلهم إلى الغَزْو. انظر لسان العرب (١٥/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>