للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومزقت أَقَامُوا قُدَّام خيامهم صوب عكا تَلا من التُّرَاب مستطيلا ورفعوه كثيبا مهيلا ثمَّ نقلوه وحولوه وَكَانُوا يقفون وَرَاءه ويحولون إِلَى قدامه ترابه ويرفعون إِلَى قرب الْبَلَد رقابه فهم من خَلفه من النكايات محجوبون يشبون ويذبون ويدبرون الْحَرْب الزبون والتل المتحول إِلَى الْبَلَد قد أعيا على أهل الْجلد لَا تعْمل فِيهِ النَّار وَلَا يصل إِلَى دَفعه الاقتدار حَتَّى صَار من الْمَدِينَة على نصف غلوة سهم وَرمي بِكُل جمر ورجم فَمَا يزِيد فِي كل يَوْم إِلَّا قربا وَمَا يجر فِي كل وَقت إِلَّا خطبا وحربا وَكَانَ الْأَصْحَاب يخرجُون من الْبَلَد إِلَيْهِ ويقاتلون عَلَيْهِ ويطيفون بحول الله حواليه

وَمن كتاب فاضلي إِلَى الدِّيوَان مَا قطع الْخَادِم الخدم إِلَّا أَنه قد أضجر وأسأم من المطالعة بِخَبَر هَذَا الْعَدو الَّذِي قد استفحل أمره واستشرى شَره فَإِن النَّاس مَا سمعُوا وَلَا رَأَوْا عدوا حاصرا محصورا غامرا مغمورا قد تحصن بخنادق تمنع الْجَائِز من الْجَوَاز وتعوق الفرص عَن الانتهاز وَلَا تقصر عدتهمْ عَن خَمْسَة آلَاف فَارس ومئة ألف راجل وَقد أفناهم الْقَتْل والأسر وأكلتهم الْحَرْب وَلَفْظهمْ النَّصْر وَقد أمدهم الْبَحْر بالبحار وأعان أهل النَّار أهل النَّار وَاجْتمعَ فِي هَذِه الجموع من الجيوش الغربية والألسنة الأعجمية من لَا يحصر معدوده وَلَا يصور فِي الدُّنْيَا وجوده فَمَا أحقهم بقول أبي الطّيب

(تجمع فِيهِ كل لسن وَأمة ... فَمَا تفهم الحداث إِلَّا التراجم)

<<  <  ج: ص:  >  >>