للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المازري: "القرآن قاعدة الإِسلام وقطب الأحكام ومفزع أهل الملة ووزرهم وآية رسولهم ودليل صدق دينهم" اهـ والقرآن فيه تبيان كل شيء، جامع لكل فضيلة وناه عن كل رذيلة، يدعو إلى الإخاء والاتحاد والاجتماع والعدل والإحسان واجتناب البغي والفساد، طأطأت الرؤوس لسلطانه، وانصاع أبلغ العرب لبلاغته وبيانه، ونهض به الإِسلام نهضة لم تعهد، واستعذبته النفوس والقلوب، وحصل به غاية المطلوب. في أوائل تبصرة ابن فرحون أن الله تعالى أكمل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - دينه القويم وهدى به مَن يشاء إلى الصراط المستقيم، وأسس شرعه المطهر على أحسن الطرائق وأحكم القواعد، وشيده بالتقوى والعدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، وأيده بالأدلة الموضحة للحق وأسبابه المرشدة إلى إيصال الحق لأربابه، وحماه بالسياسة الجارية على سنن الحق وصوابه. ولذا قال تعالى {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: ١١٥]. فالمراد بالكلمات القرآن العظيم تمت دلائله وحججه وأوامره ونواهيه وأحكامه وبشارته وإنذاره، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣]. وفيها في طالعة القسم الثالث: السياسة نوعان، سياسة ظالمة الشرع يحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم وتدفع كثيراً من المظالم وترد أهل الفساد ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية. فالشريعة يجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها وهي باب واسع تضل فيه الأفهام وتزل فيه الأقدام وإهماله يضيع الحقوق ويبطل الحدود ويجرىء أهل الفساد ويعين أهل العناد والتوسع فيه يفتح باب المظالم الشنيعة ويوجب سفك الدماء وأخذ الأموال بغير الشريعة ولذا سلكت فيه طائفة مسلك التفريط المذموم فقطعوا النظر عن هذا الباب إلا فيما قلّ ظناً منهم أن تعاطي ذلك مناف لقواعد الشريعة فسدُّوا من طرق الحق سبيلاً واضحة وعدلوا إلى طريق العناد الفاضحة لأن في إنكار السياسة الشرعية رد النصوص الشرعية وتغليطاً للخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم. وطائفة سلكت في هذا الباب مسلك الإفراط فتعدوا حدود الله تعالى وخرجوا عن حدود الشرع إلى أنواع الظلم والبدع والسياسة وتوهمو أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمة وهو جهل وغلط فاحش. قال عزّ من قائل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فدخل في هذا جميع مصالح العباد الدينية والدنياوية. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي" وطائفة توسطت وسلكت مسلك الحق وجمعوا بين السياسة والشرع فغمصوا الباطل ودحضوه ونصفوا الشرع ونصروه. {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. انتهى.

وفي الاعتصام أن الله تعالى أنزل الشريعة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها تبيان كل شيء يحتاج إليه الخلق في تكاليفهم التي أمروا بها وتعبداتهم التي طوّقوها في أعناقهم

<<  <  ج: ص:  >  >>