للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داخلون تحت أحكامها، فأنت ترى أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - مخاطب بها في جميع أحواله وتقلباته مما اختص به دون أمته أو كان عاماً له ولأمته كقوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إلى قوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠] إلى سائر التكاليف التي وردت على كل مكلف والنبي فيهم فالشريعة هي الحاكمة على الإطلاق والعموم عليه وعلى جميع المرسلين وهي الطريق الموصل والهادي الأعظم. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٥٢] فهو عليه الصلاة والسلام أول من هداه الله بالكتاب والإيمان ثم من اتبعه فيه والكتاب هو الهادي والوحي المنزل عليه مرشد ومبين لذلك الهدى والخلق مهتدون بالجميع. ولما استنار قلبه وجوارحه عليه السلام وظاهره وباطنه بنور الحق علماً وعملاً صار هو الهادي الأول لهذه الأمة والمرشد الأعظم حيث خصه الله دون الخلق بإنزال ذلك النور عليه واصطفاه من جملة مَن كان مثله في الخلقة البشرية اصطفاءً أولياً لا من جهة كونه بشراً عاقلاً مثلاً لاشتراكه مع غيره في هذه الأوصاف ولا لكونه من قريش مثلاً دون غيرهم وإلا لزم ذلك في كل قريش، ولا لكونه من بني عبد المطلب ولا لكونه عربياً ولا لغير ذلك بل من جهة اختصاصه بالوحي الذي استنار به قلبه وجوارحه فصار خلقه القرآن حتى نزل فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤] وإنما كان خلقه القرآن لأنه حكم الوحي على نفسه حتي صار في علمه وعمله على وفقه فكان للوحي موافقاً قائلاً مذعناً ملبياً نداءه واقفاً عند حكمه، وهذه الخاصة كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به إذ قد جاء بالأمر وهو مؤتمر وبالنهي وهو منته وبالوعظ وهو متعظ وبالتخويف وهو أول الخائفين وبالترجية وهو سائق دابة الراجين، وحقيقة ذلك كله جعله الشريعة المنزلة عليه حجة حاكمة عليه ودلالة له على الصراط المستقيم الذي سار عليه - صلى الله عليه وسلم - ولذا صار عبداً لله حقاً وهو أشرف اسم تسمى به العباد. قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: ١] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:١] {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣] وما أشبه ذلك من الآيات التي وقع مدحه فيها بصفة العبودية، وإذا كان ذلك فسائر الخلق حريون بأن تكون الشريعة حاكمة عليهم ومناراً يهتدون بها إلى الحق وشرفهم إنما يثبت بحسب ما اتصفوا به من الدخول تحت أحكامها والعمل بها قولًا واعتقاداً وعملاً لا بحسب عقولهم فقط ولا بحسب شرفهم في قومهم فقط لأن الله تعالى إنما أثبت الشرف بالتقوى لا غير لقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] فمَن كان أشد محافظة على اتباع الشريعة فهو أولى

<<  <  ج: ص:  >  >>