للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد وإن معك اثني عشر ألفًا ولا تغلب اثنا عشر ألفًا من قلة وكان القبط في مصر يكرهون سيادة الروم ويودون التخلص منها ولو بسيادة المسلمين فلما بلغ عمرو مصر وظفر بجنود الروم تواطأ على صلحه المقوقس مع قومه وصالحوه على شيء معلوم وبعد أن تم الصلح شخص عمرو بجنده إلى الإسكندرية وكان فيها جمع كثيف من الروم فحاصرها مدة طويلة ثم أخذها عنوة وكتب بالفتح إلى عمر واستقرت قدمه في البلاد فأخذ في تنظيم شؤونها وترتيب خراجها وتقرير أسباب الراحة والأمان بين أهلها وما زال والياً عليها حتى عزله عثمان بن عفان رضي الله عنه وستأتي ترجمة هذا الفاتح العظيم.

وزبدة القول في هذا الفتح أن المقوقس لما أحس بالغلبة فرّ بجنده من حصنه بعد حصار شديد إلى منف وبعث لعمرو كتاباً طالباً فيه توجيه رجال ليكون الاتفاق على يدهم فأرسل عمرو كتاباً مع عشرة نفر رئيسهم عبادة بن الصامت وكان هائل المنظر أسود اللون طوله عشرة أشبار فتقدم إليه عبادة في صدر أصحابه فهابه المقوقس وطلب تقديم غيره فأجابوا أن هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلماً وهو سيدنا وخيرنا ونرجع جميعاً إلى قوله ورأيه وقد أمر الأمير أن لا نخالف له فقال المقوقس لعبادة تقدم وتكلم برفق فألقى عبادة خطبة أتى فيها على المراد بأفصح عبارة وألطف إشارة ولما انتهى كلامه قال المقوقس لمن حوله بلغتهم ما سمعت مثل كلام هذا الرجل قط لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب. ثم قال له عبادة: بيننا وبينك خصلة من ثلاث خصال فاختر أيها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله من قبل إلينا: أما الإسلام الذي هو الدين القيم الذي لا يقبل الله غيره وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمر الله أن نقاتل من غالبه ورغب عنه حتى يدخل فيه فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله فإن قبلت أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم وإن أبيتم إلا الجزية فأدوها إلينا وأن نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم وأن نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم هذا ديننا ولا يجوز لنا غيره فانظروا لأنفسكم. وبعد محاورات دارت في النازلة تركنا ذكرها اختصاراً، قال المقوقس: أعلم أميرك أني لا أزال حريصاً على إجابتكم إلى خصلة من تلك الخصال وإني أريد أن نجتمع به مع جماعة من أصحابي فإن استقام الأمر بيننا تمّ

<<  <  ج: ص:  >  >>